لا أرى الموت يسبق الموت شيا
وهذه الجملة الواقعة خبرا للشرط ، تحتاج إلى رابط لجملة الجزاء باسم الشرط. والرابط هنا الاسم الظاهر وهو : الكافرين ، أوقع الظاهر موقع الضمير لتواخي أواخر الآي ، ولينص على علة العداوة ، وهي الكفر ، إذ من عادى من تقدّم ذكره ، أو واحدا منهم ، فهو كافر. أو يراد بالكافرين العموم ، فيكون الرابط العموم ، إذ الكفر يكون بأنواع ، وهؤلاء الكفار بهذا الشيء الخاص فرد من أفراد العموم ، فيحصل الربط بذلك. وقال الزمخشري : عدوّ للكافرين ، أراد عدوّ لهم ، فجاء بالظاهر ليدل على أن الله عاداهم لكفرهم ، وأن عداوة الملائكة كفر. وإذا كانت عداوة الأنبياء كفرا ، فما بال الملائكة؟ وهم أشرف. والمعنى : من عاداهم عاداه الله وعاقبه أشدّ العقاب. انتهى كلامه. وهذا مذهب المعتزلة يذهبون إلى أن الملائكة أفضل من خواص بني آدم. ودل كلام الزمخشري على أن الظاهر وقع موقع الضمير ، وأنه لم يلحظ فيه العموم ، وقال ابن عطية : وجاءت العبارة بعموم الكافرين ، لأن عود الضمير على من يشكل ، سواء أفردته أو جمعته ، ولو لم يبال بالإشكال. وقلنا : المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة الله لهم. ويحتمل أن الله قد علم أن بعضهم يؤمن ، فلا ينبغي أن يطلق عليه عداوة الله للمآل. وروي أن عمر نطق بهذه الآية مجاوبا لبعض اليهود في قوله : ذلك عدوّنا ، يعني جبريل ، فنزلت على لسان عمر. قال ابن عطية : وهذا الخبر ضعيف.
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) : سبب نزولها ، فيما ذكر الطبراني ، أن ابن صوريا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما جئت بآية بينة ، فنزلت. وقال الزمخشري : قال ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل عليك من آية فنتبعك لها ، فنزلت انتهى. ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، لأنه لما ذكر تعالى جملا من قبائح اليهود وذمهم على ذلك ، وكان فيما ذكر من ذلك معاداتهم لجبريل ، فناسب ذلك إنكارهم لما نزل به جبريل ، فأخبر الله تعالى بأن الرسول عليهالسلام أنزل عليه آيات بينات ، وأنه لا يجحد نزولها إلا كل فاسق ، وذلك لوضوحها. والآيات البينات ، أي القرآن ، أو المعجزات المقرونة بالتحدّي ، أو الإخبار عما خفي وأخفي في الكتب السالفة ، أو الشرائع ، أو الفرائض ، أو مجموع كل ما تقدّم ، أقوال خمسة. والظاهر مطلق ما يدل عليه آيات بينات غير معين شيء منها ، وعبر عن وصولها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالإنزال ، لأن ذلك كان من علوّ إلى ما دونه.
(وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) : المراد بالفاسقين هنا : الكافرون ، لأن كفر آيات الله