لا تكون على في معنى في ، بل هذا من التضمين في الفعل ضمن تتقول ، فعديت بعلى لأن تقول : تعدى بها ، قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) (١) ومعنى : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) ، أي شرعه ونبوّته وحاله. وقيل : على عهده ، وفي زمانه ، وهو قريب. وقيل : على كرسي سليمان بعد وفاته ، لأنه كان من آلات ملكه. وفسروا ما يتلو الشياطين بالسحر ، قالوا : وهو الأشهر والأظهر على ما نقل في أسباب النزول ، من أن الشياطين كتبت السحر واختلقته ونسبته إلى سليمان وآصف. وقيل : الذي تلته هو الكذب الذي تضيفه إلى ما تسترق من أخبار السماء ، وأضافوا ذلك إلى سليمان تفخيما لشأن ما يتلونه ، لأن الذي كان معه : من المعجزات ، وإظهار الخوارق ، وتسخير الجن والإنس ، وتقريب المتباعدات ، وتأليف الخواطر ، وتكليم العجماوات ، كان أمرا عظيما. والساحر يدّعي أشياء من هذا النوع : من تسخير الجن ، وبلوغ الآمال ، والتأثير في الخواطر ، بل ويدّعي قلب الأعيان على ما يأتي في الكلام على السحر في قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ، أو لأنهم كانوا يزعمون أن ملك سليمان إنما حصل بالسحر. وقد ذكر المفسرون في كيفيات ما رتبوه من هذا الذي تلوه قصصا كثيرة ، الله أعلم به ، ولم تتعرض الآية الكريمة ، ولا الحديث المسند الصحيح لشيء منه ، فلذلك لم نذكره.
(وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) : تنزيه لسليمان عن الكفر ، أي ليس ما اختلقته الجن من نسبة ما تدعيه إلى سليمان تعاطاه سليمان ، لأنه كفر ، ومن نبأه الله تعالى منزه عن المعاصي الكبائر والصغائر ، فضلا عن الكفر. وفي ذلك دليل على صحة نفي الشيء عمن لا يمكن أن يقع منه ، لأنّ النبي لا يمكن أن يقع منه الكفر ، ولا يدل هذا على أن ما نسبوه إلى سليمان من السحر يكون كفرا ، إذ يحتمل أنهم نسبوا إليه الكفر مع السحر. وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما ذكر سليمان في الأنبياء قال بعض اليهود : انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء ، وما كان إلا ساحرا. ولم يتقدّم في الآيات أن أحدا نسب سليمان إلى الكفر ، ولكنها آية نزلت في السبب المتقدّم أن اليهود نسبته إلى السحر والعمل به.
(وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) : كفرهم ، إما بتعليم السحر ، وإما تعلمهم به ، وإما بتكفيرهم سليمان به ، ويحتمل أن يكون كفرهم بغير ذلك. واستعمال لكن هنا حسن ، لأنها بين نفي وإثبات. وقرىء : ولكنّ بالتشديد ، فيجب إعمالها ، وهي قراءة نافع وعاصم وابن
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٤٤.