كثير وأبي عمرو. وقرىء : بتخفيف النون ورفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي. وإذا خففت ، فهل يجوز إعمالها؟ مسألة خلاف الجمهور : على المنع ونقل أبو القاسم بن الرماك عن يونس جواز إعمالها ، ونقل ذلك غيره عن الأخفش ، والصحيح المنع. وقال الكسائي والفراء : الاختيار ، التشديد إذا كان قبلها واو ، والتخفيف إذا لم يكن معها واو ، وذلك لأنها مخففة تكون عاطفة ولا تحتاج إلى واو معها. كبل : فإذا كانت قبلها واو لم تشبه بل ، لأن بل لا تدخل عليها الواو ، فإذا كانت لكن مشدّدة عملت عمل إن ، ولم تكن عاطفة. انتهى الكلام. وهذا كله على تسليم أن لكن تكون عاطفة ، وهي مسألة خلاف الجمهور على أن لكنّ تكون عاطفة. وذهب يونس إلى أنها ليست من حروف العطف ، وهو الصحيح لأنه لا يحفظ ذلك من لسان العرب ، بل إذا جاء بعدها ما يوهم العطف ، كانت مقرونة بالواو كقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) (١). وأما إذا جاءت بعدها الجملة ، فتارة تكون بالواو ، وتارة لا يكون معها الواو ، كما قال زهير :
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره |
|
لكن وقائعه في الحرب تنتظر |
وأما ما يوجد في كتب النحويين من قولهم : ما قام زيد لكن عمرو ، وما ضربت زيدا لكن عمرا ، وما مررت بزيد لكن عمرو ، فهو من تمثيلهم ، لا أنه مسموع من العرب. ومن غريب ما قيل في لكن : إنها مركبة من كلم ثلاث : لا للنفي ، والكاف للخطاب ، وأن التي للإثبات والتحقيق ، وأن الهمزة حذفت للاستثقال ، وهذا قول فاسد ، والصحيح أنها بسيطة.
(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) : الضمير في يعلمون اختلف في من يعود عليه ، فالظاهر أنه يعود على الشياطين ، يقصدون به إغواءهم وإضلالهم ، وهو اختيار الزمخشري. وعلى هذا تكون الجملة في موضع الحال من الضمير في كفروا. قالوا : أو خبرا ثانيا. وقيل : حال من الشياطين. ورد بأن لكن لا تعمل في الحال ، وقيل : بدل من كفروا ، بدل الفعل من الفعل ، لأن تعليم الشياطين السحر كفر في المعنى. والظاهر أنه استئناف إخبار عنهم. وقيل : الضمير عائد على الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين ، على اختلاف المفسرين فيمن يعود عليه ضمير اتبعوا ، فيكون المعنى : يعلم المتبعون ما تتلو الشياطين الناس ، فالناس معلمون للمتبعين. وعلى القول الأول يكونون معلمين للشياطين.
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٠.