عدوا ، والحبيب بغيضا. كما أطلق على حسن التوسل باللفظ الرائق العذب ، لما فيه من الاستمالة ، وسمي : سحرا حلالا. وقد روي أن من البيان لسحرا ، وقال :
وحديثها السحر الحلال لو أنه |
|
لم يجن قتل المسلم المنحرز |
وظاهر قوله : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) : أنهم يفهمونهم إياه بالإقراء والتعليم. وقيل : المعنى يدلونهم على تلك الكتب ، فأطلق على الدلالة تعليما ، تسمية للمسبب بالسبب. وقيل : المعنى يوقرون في قلوبهم أنها حق ، تضر وتنفع ، وأن سليمان إنما تم له ما تم بذلك ، وهذا أيضا تسمية للمسبب بالسبب. وقيل : يعلمون معناه يعلمون ، أي يعلمونهم بما يتعلمون به السحر ، أو بمن يتعلمون منه ولم يعلموهم ، فهو من باب الإعلام لا من باب التعليم. وأما حكم السحر ، فما كان منه يعظم به غير الله من الكواكب والشياطين ، وإضافة ما يحدثه الله إليها ، فهو كفر إجماعا ، لا يحل تعلمه ولا العمل به. وكذا ما قصد بتعلمه سفك الدماء ، والتفريق بين الزوجين والأصدقاء. وأما إذا كان لا يعلم منه شيء من ذلك ، بل يحتمل ، فالظاهر أنه لا يحل تعلمه ولا العمل به. وما كان من نوع التحيل والتخييل والدّك والشعبذة ، فإن قصد بتعليمه العمل به والتمويه على الناس ، فلا ينبغي تعلمه ، لأنه من باب الباطل. وإن قصد بذلك معرفته لئلا تتم عليه مخايل السحرة وخدعهم ، فلا بأس بتعلمه ، أو اللهو واللعب ، وتفريج الناس على خفة صنعته فيكره. روي : لست من دد ولا دد مني. وأما سحر البيان ، فما أريد به تأليف القلوب على الخير ، فهو السحر الحلال ، أو ستر الحق ، فلا يجوز تعلمه ولا العمل به. وأما حكم الساحر حدّا وتوبة ، فقد تعرض المفسرون لذلك ، ولم تتعرض إليه الآية ، وهي مسألة موضوعها علم الفقه ، فتذكر فيه.
(وَما أُنْزِلَ) : ظاهره أن ما موصول اسمي منصوب ، وأنه معطوف على قوله : السحر ، وظاهر العطف التغاير ، فلا يكون ما أنزل على الملكين سحرا. وقيل : هو معطوف على ما تتلو الشياطين ، أي (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) ، و (الَّذِي أُنْزِلَ) (١) ، وظاهره أن ما علموه الناس ، أو ما اتبعوه هو منزل. واختلف في هذا المنزل الذي علم ، أو الذي اتبع فقيل : علم السحر أنزل على الملكين ابتلاء من الله للناس ، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ، ومن تجنبه أو تعلمه لا يعمل به ولكن ليتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنا ، كما ابتلى قوم
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٥.