يعذبان. وذكروا في كيفية عذابهما اختلافا. وهذا كله لا يصح منه شيء. والملائكة معصومون ، (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١) ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) (٢) ، (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ). ولا يصح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يلعن الزهرة ولا ابن عمر. وقيل : سبب إنزال الملكين : أن السحرة كثروا في ذلك الزمان ، وادعوا النبوّة ، وتحدّوا الناس بالسحر. فجاءا ليعلما الناس السحر ، فيتمكنوا من معارضة السحر ، فيتبين كذبهم في دعواهم النبوّة ، أو لأن المعجزة والسحر ماهيتان متباينتان ، ويعرض بينهما الالتباس. فجاء الإيضاح الماهيتين ، أو لأن السحر الذي يوقع التفرقة بين أعداء الله وأوليائه كان مباحا ، أو مندوبا ، فبعثا لذلك ، ثم استعمله القوم في التفرقة بين أولياء الله. أو لأن الجن كان عندهم من أنواع السحر ما لم تقدر البشر على مثله ، فأنزلا بذلك لأجل المعارضة. وقيل : أنزلا على إدريس ، لأن الملائكة لا يكونون رسلا لكافة الناس ، ولا بد من رسول من البشر.
(بِبابِلَ) : قال ابن مسعود : هي في سواد الكوفة. وقال قتادة : هي من نصيبين إلى رأس العين. وقيل : هي جبل دماوند. وقيل : هي بالمغرب. وقيل : في أرض غير معلومة ، فيها هاروت وماروت ، وسميت ببابل ، قال الخليل : لتبلبل الألسنة حين أراد الله أن يخالف بينها ، أتت ريح فحشرت الناس إلى بابل ، فلم يدر أحد ما يقول الآخر ، ثم فرّقتهم الريح في البلاد. وقيل : لتبلبل الألسنة بها عند سقوط قصر نمروذ. (هارُوتَ وَمارُوتَ) : قرأ الجمهور : بفتح التاء ، وهما بدل من الملكين ، وتكون الفتحة علامة للجرّ لأنهما لا ينصرفان ، وذلك إذا قلنا إنهما اسمان لهما. وقيل : بدل من الناس ، فتكون الفتحة علامة للنصب ، ولا يكون هاروت وماروت اسمين للملكين. وقيل : هما قبيلتان من الشياطين ، فعلى هذا يكونان بدلا من الشياطين ، وتكون الفتحة علامة للنصب ، على قراءة من نصب الشياطين. وأما من رفع الشياطين ، فانتصابهما على الذم ، كأنه قال : أذم هاروت وماروت ، أي هاتين القبيلتين ، كما قال الشاعر :
أقارع عوف لا أحاول غيرها |
|
وجوه قرود تبتغي من تخادع |
وهذا على قراءة الملكين ، بفتح اللام. وأما من قرأ بكسرها ، فيكونان بدلا من الملكين ، إلا إذا فسرا بداود وسليمان عليهماالسلام ، فلا يكون هاروت وماروت بدلا
__________________
(١) سورة التحريم : ٦٦ / ٦.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٩ و ٢٠.