كأنهما يقولان : لا تفعل كذا ، كما لو سأل سائل عن صفة الزنا ، أو القتل ، فأخبر بصفته ليجتنبه. فكان المعنى في يعلمان : يعلمان. وقال الزمخشري : فلا تكفر : فلا تتعلم ، معتقدا أنه حق فتكفر. وحكى المهدوي : أن قولهما (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) ، فلا تكفر استهزاء ، لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله. وقال في (المنتخب) قوله : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) توكيد لقبول الشرع والتمسك به ، فكانت طائفة تمتثل وأخرى تخالف. وقيل : فلا تكفر ، أي لا تستعمله فيما نهيت عنه ، ولكن إذا وقفت عليه فتحرز من أن ينفذ لساحر عليك تمويه. وقيل : فلا تفعله لتعمل به. وهذا على قول من قال : تعلمه جائز والعمل به كفر. وقيل : فلا تكفر بتعليم السحر ، وهذا على قول من قال : إن تعلمه كفر. وقيل : فلا تكفر بنا ، وهذا على قول : إن الملكين نزلا من السماء بالسحر ، وإن من تعلمه في ذلك الوقت كان كافرا ، ومن تركه كان مؤمنا ، كما جاء في نهر طالوت ، وقد تقدم ما حكاه المهدوي أن قولهما : فلا تكفر ، على سبيل الاستهزاء ، لا على سبيل النصيحة. وقوله : حتى يقولا مطلقا في القول ، وأقل ما يتحقق بالمرة الواحدة ، فقيل مرة ، وقيل سبع مرات ، وقيل تسع مرات ، وقيل ثلاث. ويحتاج ذلك إلى صحة نقل ، وإن لم يوجد ، فيكون محتملا ، والمتحقق المرة الواحدة. واختلف في كيفية تلقي ذلك العلم منهما ، فقال مجاهد : هاروت وماروت لا يصل إليهما أحد ، ويختلف إليهما شيطانان في كل سنة اختلافة واحدة ، فيتعلمان منهما ما يفرّقان به بين المرء وزوجه. والظاهر أن هاروت وماروت هما اللذان يباشران التعليم لقوله : (وَما يُعَلِّمانِ). وقد ذكر المفسرون قصصا فيما يعرض من المحاورة بين الملكين وبين من جاء ليتعلم منهما ، وفي كل من ذلك القصص أنهما يأمرانه بأن يبول في تنور. فاختلفوا في الإيمان الذي يخرج منه ، أيرى فارسا مقنعا بحديد يخرج منه حتى يغيب في السماء؟ أو نورا خرج من رماد يسطع حتى يدخل السماء؟ أو طائرا خرج من بين ثيابه وطار نحو السماء؟ وفسروا ذلك الخارج بأنه الإيمان. وهذا كله شيء لا يصح البتة ، فلذلك لخصنا منه شيئا ، وإن كان لا يصح ، حتى لا نخلي كتابنا مما ذكروه.
(فَيَتَعَلَّمُونَ) : قال الفراء ، واختاره الزجاج ، وهو معطوف على شيء دل عليه أول الكلام ، كأنه قال : فيأبون فيتعلمون. وقال الفرّاء أيضا : هو عطف على (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ، (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) وأنكره الزجاج بسبب لفظ الجمع في يعلمون وقد قال منهما وأجازه أبو علي وغيره ، إذ لا يمتنع عطف فيتعلمون على يعلمون ، وإن كان التعليم من الملكين خاصة ، والضمير في منهما راجع إليهما ، لأن قوله : فيتعلمون منهما ، إنما جاء بعد