هاتين القراءتين على هذه اللغة أولى من التخريج على أن أصل الألف الهمز ، فأبدلت الهمزة ألفا ، فصار مثل : قال وباع ، فقيل فيه : سيل بالكسر المحض ، أو الإشمام ، لأن هذا الإبدال شاذ ولا ينقاس. وتلك لغة ثانية ، فكان الحمل على ما كان لغة أولى من الحمل على الشاذ غير المطرد. وحذف الفاعل هنا للعلم به ، التقدير : كما سأل قوم موسى موسى من قبل.
(مُوسى مِنْ قَبْلُ) : يتعلق هذا الجار بقوله : سئل ، وقبل مقطوعة عن الإضافة لفظا ، وذلك أن المضاف إليه معرفة محذوف. فلذلك بنيت قبل على الضم ، والتقدير : من قبل سؤالكم ، وهذا توكيد ، لأنه قد علم أن سؤال بني إسرائيل موسى ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، متقدّم على سؤال هؤلاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسؤال قوم موسى عليهالسلام هو قولهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) (١) ، (اجْعَلْ لَنا إِلهاً) (٢). فأراد تعالى أن يوبخهم على تعلق إرادتهم بسؤال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأن يقترحوا عليه ، إذ هم يكفيهم ما أنزل إليهم. وشبه سؤالهم بسؤال ما اقترحه آباء اليهود من الأشياء التي مصيرها إلى الوبال. وظاهر الآية يدل على أن السؤال لم يقع منهم. ألا ترى أنه قال : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا)؟ فوبخهم على تعلق إرادتهم بالسؤال ، إذ لو كان السؤال قد وقع ، لكان التوبيخ عليه ، لا على إرادته ، وكان يكون اللفظ : أتسألون رسولكم؟ أو ما أشبه ذلك مما يؤدّي معنى وقوع السؤال ، لكن تظافرت نقولهم في سبب نزول هذه الآية ، وإن اختلفوا في التعيين على أن السؤال قد وقع.
(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ)؟ تقدّم الكلام في التبديل ، أي : من يأخذ الكفر بدل الإيمان؟ وهذه كناية عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر ، كما جاء في قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (٣). وفسر الزمخشري هذا بأن قال : ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها. وقال أبو العالية : الكفر هنا : الشدة ، والإيمان : الرخاء. وهذا فيه ضعف ، إلا أن يريد أنهما مستعاران في الشدة على نفسه والرخاء لها عن العذاب والنعيم. وأما المعروف من شدة أمور الدنيا ورخائها ، فلا تفسر الآية بذلك ، والظاهر حمل الكفر والإيمان على؟؟؟ هما الشرعية ، لأن من سأل الرسول ما سأل مع ظهور المعجزات ووضوح الدلائل على صدقه ، كان سؤاله تعنتا وإنكارا ، وذلك كفر.
(فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) : هذا جواب الشرط ، وقد تقدم الكلام على الضلال في
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٥٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٣٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٦.