المريد إقامة المواصلات وإدامة التوسل بفنون القربات ، واثقا بأن ما تقدمه من صدق المجاهدات ستزكو ثمرته في آخر الحالات ، وأنشدوا :
سابق إلى الخير وبادر به |
|
فإنما خلفك ما تعلم |
وقدم الخير فكل امرئ |
|
على الذي قدمه يقدم |
(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) : سبب نزولها اختصام نصارى نجران ويهود المدينة ، وتناظرهم بين يدي الرسول صلىاللهعليهوسلم. فقالت اليهود : (لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) ، وقالت النصارى : (لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) ، وكفروا بالتوراة وموسى ، قاله ابن عباس. والضمير في وقالوا عائد على أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولفهم في القول ، لن يدخل الجنة ، لأن القول صدر من الجميع ، باعتبار أن كل فريق منهما قال ذلك ، لا أن كل فرد فرد قال ذلك حاكما على أن حصر دخول الجنة على كل فرد فرد من اليهود والنصارى ، ولذلك جاء في العطف بأو التي هي للتفصيل والتنويع ، وأوضح ذلك العلم بمعاداة الفريقين ، وتضليل بعضهم بعضا ، فامتنع أن يحكم كل فريق على الآخر بدخول الجنة ، ونظيره في لف الضمير ، وفي كون أو للتفصيل قوله : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) ، إذ معلوم أن اليهودي لا يأمر بالنصرانية ، ولا النصراني يأمر باليهودية ، ولما كان دخول الجنة متأخرا ، جاء النفي بلن المخلصة للاستقبال ، ومن فاعلة بيدخل ، وهو من الاستثناء المفرّغ ، والمعنى : لن يدخل الجنة أحد إلا من. ويجوز أن تكون على مذهب الفراء بدلا ، أو يكون منصوبا على الاستثناء ، إذ يجيز أن يراعى ذلك المحذوف ، ويجعله هو الفاعل ، ويحذفه ، وهو لو كان ملفوظا به لجاز البدل والنصب على الاستثناء ، فكذلك إذا كان محذوفا وحمل أولا على لفظ من ، فأفرد الضمير في كان ، ثم حمل على المعنى ، فجمع في خبر كان فقال : (هُوداً أَوْ نَصارى). وهود : جمع هائد ، كعائد وعود. وتقدم مفرد النصارى ما هو أنصران أم نصري. وفي جواز مثل هذين الحملين خلاف ، أعني أن يكون الخبر غير فعل ، بل صفة يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء نحو : من كان قائمين الزيدون ، ومن كان قائمين الزيدان. فمذهب الكوفيين وكثير من البصريين جواز ذلك. وذهب قوم إلى المنع ، وإليه ذهب أبو العباس ، وهم محجوجون بثبوت ذلك في كلام العرب كهذه الآية ، فإن هودا في الأظهر جمع هائد ، وهو من الصفات التي يفصل بينها وبين مؤنثها بالتاء ، وكقول الشاعر :
وأيقظ من كان منكم نياما