من أمللت ، لأن الشريعة تبتني على متلو ومسموع. وقيل : من قولهم طريق ممل ، أي قد أثر المشي فيه. الخسران والخسارة : هو النقص من رأس المال في التجارة ، هذا أصله ، ثم يستعمل في النقص مطلقا ، وفعله متعد ، كما أن مقابله متعد ، وهو الربح. تقول : خسر درهما ، كما تقول : ربح درهما. وقال : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ).
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) : نزلت في نطوس بن اسبيسيانوس الرومي ، الذي خرب بيت المقدس ، ولم يزل خرابا إلى أن عمر في زمان عمر بن الخطاب. وقيل في مشركي العرب : منعوا المسلمين من ذكر الله في المسجد الحرام ، قاله عطاء ، عن ابن عباس ، أو في النصارى ، كانوا يودون خراب بيت المقدس ، ويطرحون به الأقذار. وروي عن ابن عباس ، وقال قتادة والسدي ، في الروم الذين أعانوا بخت نصر على تخريب بيت المقدس : حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكريا ، على نبينا وعليهالسلام ، قال أبو بكر الرازي : لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن عهد بخت نصر كان قبل مولد المسيح عليهالسلام بدهر طويل. وقيل في بخت نصر ، قاله قتادة ، وقال ابن زيد وأبو مسلم : المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن المسجد الحرام. وعلى اختلاف هذه الأقوال يجيء الاختلاف في تفسير المانع والمساجد.
وظاهر الآية العموم في كل مانع وفي كل مسجد ، والعموم وإن كان سبب نزوله خاصا ، فالعبرة به لا بخصوص السبب.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه جرى ذكر النصارى في قوله : (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) (١) ، وجرى ذكر المشركين في قوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) (٢) ، وفي أي نزلت منهم كان ذلك مناسبا لذكرها تلي ما قبلها. ومن : استفهام ، وهو مرفوع بالابتداء. وأظلم : أفعل تفضيل ، وهو خبر عن من. ولا يراد بالاستفهام هنا حقيقته ، وإنما هو بمعنى النفي ، كما قال : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣)؟ أي ما يهلك. ومعنى هذا : لا أحد أظلم ممن منع. وقد تكرر هذا اللفظ في القرآن ، وهذا أول موارده ، وقال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (٤).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١١٣.
(٣) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٣٥.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٢١ و ٩٣.