خرابا ، كما جعل التعاهد بالذكر والصلاة عمارة ، وذلك مجاز. وقال المروزي : قال ومن أظلم ليعلم أن قبح الاعتقاد يورث تخريب المساجد ، كما أن حسن الاعتقاد يورث عمارة المساجد.
(أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) : هذه جملة خبرية قالوا تدلّ على ما يقع في المستقبل ، وذلك من معجز القرآن ، إذ هو من الإخبار بالغيب. وفيها بشارة للمؤمنين بعلوّ كلمة الإسلام وقهر من عاداه. إلا خائفين : نصب على الحال ، وهو استثناء مفرّغ من الأحوال. وقرأ أبي : إلا خيفا ، وهو جمع خائف ، كنائم ونوّم ، ولم يجعلها فاصلة ، فلذلك جمعت جمع التكسير. وإبدال الواو ياء ، إذ الأصل خوّف ، وذلك جائز كقولهم ، في صوم صيم ، وخوفهم : هو ما يلحقهم من الصغار والذل والجزية ، أو من أن يبطش بهم المؤمنون ، أو في المحاكمة ، وهي تتضمن الخوف ، أو ضربا موجعا ، لأن النصارى لا يدخلون بيت المقدس إلا خائفين من الضرب ، أقوال. والظاهر أن المعنى : أولئك ما ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا وهم خائفون من الله وجلون من عقابه. فكيف لهم أن يلتبسوا بمنعها من ذكر الله والسعي في تخريبها ، إذ هي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)؟ وما هذه سبيله ينبغي أن يعظم بذكر الله فيه ، ويسعى في عمارته ، ولا يدخله الإنسان إلا وجلا خائفا ، إذ هو بيت الله أمر بالمثول فيه بين يديه للعبادة. ونظير الآية أن يقول : ومن أظلم ممن قتل وليا لله تعالى؟ ما كان له أن يلقاه إلا معظما له مكرّما أي هذه حالة من يلقى وليا لله ، لا أن يباشره بالقتل. ففي ذلك تقبيح عظيم على ما وقع منه ، إذ كان ينبغي أن يقع ضده ، وهو التبجيل والتعظيم. ولما لم يقع هذا المعنى الذي ذكرناه للمفسرين ، اختلفوا في الآية على تلك الأقوال التي ذكرناها عنهم. ولو أريد ما ذكروه ، لكان اللفظ : أولئك ما يدخلونها إلا خائفين ، ولم يأت بلفظ : ما كان لهم ، الدالة على نفي الابتغاء. وقيل المعنى : ما كان لهم في حكم الله ، يعني أن الله قد حكم وكتب في اللوح المحفوظ أنه ينصر المؤمنين ويقوّيهم حتى لا يدخل المساجد الكفار إلا خائفين. قال بعض الناس : وفيها دلالة على جواز دخول الكفار المساجد على صفة الخوف ، وليس كما قال ، إذ قد ذكرنا ما دلّ عليه ظاهر الآية. وقيل في قوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها) : أن لفظه لفظ الخبر ، ومعناه الأمر لنا بأن نخيفهم ، وإنما ذهب إلى ذلك لأن الله تعالى قد أخبر أنهم سيدخلون بيت المقدس على سبيل القهر والغلبة بقوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما