دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) (١) ، ولأن النبي صلىاللهعليهوسلم أخبر أن ذا السويقتين من الحبشة يهدم الكعبة حجرا حجرا. فلما رأى أن هذا يعارض الآية ، إذا جعلناها خبرا لفظا ، ومعنى حملها على الأمر ودلالتها على الأمر لنا بالإخافة لهم بعيدة جدا ، وإذا حملنا الآية على ما ذكرناه ، بطلت هذه الأقوال. وأما قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) ، فليس ذلك كناية عن يوم القيامة ، وسيأتي الكلام عليه في موضعه ، إن شاء الله تعالى. وقوله : (أُولئِكَ) ، حمل على معنى من في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ) ، ولا يختص الحمل فيها على اللفظ وعلى المعنى بكونها موصولة ، بل هي كذلك في سائر معانيها من الوصل والشرط والاستفهام ، وكلاهما موجود فيها في سائر معانيها في كلام العرب. أما إذا كانت موصوفة نحو : مررت بمن محسن لك ، فليس في محفوظي من كلام العرب مراعاة المعنى فيها. وقد تكلمنا قبل على كونها موصوفة. وقال بعض الناس في قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ) : الآية ، دليل على منع دخول الكافر المسجد ، ثم ذكر اختلاف الفقهاء في ذلك ، وهي مسألة تذكر في علم الفقه ، وليس في الآية ما يدل على ما ذكره على ما فهمهنا نحن من الآية.
(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) : هذا الجزاء مناسب لما صدر منهم. أما الخزي في الدنيا فهو الهوان والإذلال لهم ، وهو مناسب للوصف الأول ، لأن فيه إخمال المساجد بعدم ذكر الله وتعطيلها من ذلك ، فجوزوا على ذلك بالإذلال والهوان. وأما العذاب العظيم في الآخرة ، فهو العذاب بالنار ، وهو إتلاف لهياكلهم وصورهم ، وتخريب لها بعد تخريب (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٢). وهو مناسب للوصف الثاني ، وهو سعيهم في تخريب المساجد ، فجوزوا على ذلك بتخريب صورهم وتمزيقها بالعذاب. ولما كان الخزي الذي يلحقهم في الدنيا لا يتفاوتون فيه حكما ، سواء فسرته بقتل أو سبي للحربي ، أو جزية للذمي ، لم يحتج إلى وصف. ولما كان العذاب متفاوتا ، أعني عذاب الكافر وعذاب المؤمن ، وصف عذاب الكافر بالعظم ليتميز من عذاب المؤمن. وقيل : الخزي هو الفتح الإسلامي ، كالقسطنطينية وعمورية ورومية ، وقيل : جزية الذمي ، قاله ابن عباس ، وقيل : طردهم عن المسجد الحرام ، وقيل : قتل المهدي إياهم إذا خرج ، قاله المروزي ، وقيل : منعهم من المساجد. قال بعض معاصرينا : إن على كل طائفة من الكفار في الدنيا خزيا. أما اليهود والنصارى ، فقتل قريظة ، وإجلاء بني النضير ، وقتل النصارى وفتح حصونهم وبلادهم ، وإجراء الجزية
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٥٦.