على الله تعالى ، ويكون المعنى في الأصل أنه تعالى بدعت سمواته ، أي جاءت في الخلق على شكل مبتدع لم يسبق نظيره. وهذا الوجه ابتدأ به الزمخشري ، إلا أنه قال : وبديع السموات من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها ، وهذا ليس عندنا. كذلك بل من إضافة الصفة المشبهة إلى منصوبها. والصفة عندنا لا تكون مشبهة حتى تنصب أو تخفض ، وأما إذا رفعت ما بعدها فليس عندنا صفة مشبهة ، لأن عمل الرفع في الفاعل يستوي فيه الصفات المتعدية وغير المتعدية. فإذا قلنا : زيد قائم أبوه ، فقائم رافع للأب على حدّ رفع ضارب له. إذا قلت : زيد ضارب أبوه عمرا ، لا تقول : إن قائما هنا من حيث عمل الرفع شبه بضارب ، وإذا كان كذلك ، فإضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه لا يجوز لما تقرّر في علم العربية ، إلا إن أخذنا كلام الزمخشري على التجوّز فيمكن ، ويكون المعنى من إضافة الصفة المشبهة إلى ما كان فاعلا بها قبل أن يشبه. وحكى الزمخشري وجها ثانيا قال : وقيل البديع بمعنى المبدع ، كما أن السميع في قول عمرو :
أمن ريحانة الداعي السميع
بمعنى : المسمع : وفيه نظر. انتهى كلامه. وهذا الوجه لم يذكر ابن عطية غيره ، قال : وبديع مصروف من مبدع ، كبصير من مبصر ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :
أمن ريحانة الداعي السمي |
|
ع يؤرّقني وأصحابي هجوع |
يريد : المسمع والمبدع والمنشئ ، ومنه أصحاب البدع ، ومنه قول عمر بن الخطاب في صلاة رمضان : نعمت البدعة هذه ، انتهى. والنظر الذي ذكر الزمخشري ، والله أعلم ، أن فعيلا بمعنى مفعل لا ينقاس مع أن بيت عمرو محتمل للتأويل. وعلى هذا الوجه يكون من باب إضافة اسم الفاعل لمفعوله. وقرأ المنصور : بديع بالنصب على المدح ، وقرىء بالجرّ على أنه بدل من الضمير في له.
(وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) : لما ذكر ما دل على الاختراع ، ذكر ما يدل على طواعية المخترع وسرعة تكوينه. ومعنى قضى هنا : أراد ، أي إذا أراد إنشاء أمر واختراعه. قال ابن عطية : وقضى : معناه قدر ، وقد يجيء بمعنى : أمضى. ويتجه في هذه الآية المعنيان. فعلى مذهب أهل السنة : قدر في الأزل وأمضى فيه ، وعلى مذهب المعتزلة : أمضى عند الخلق والإيجاد. والأمر : واحد الأمور ، وليس هنا مصدر أمر يأمر. والمعتقد في هذه الآية أن الله لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها ، قادرا مع تأخر