لا على الشرط ، إذ لو بنى على الشرط لدخلت الفاء في قوله : (ما لَكَ). والأهواء : جمع هوى ، وكان الجمع دليلا على كثرة اختلافهم ، إذ لو كانوا على حق لكان طريقا واحدا ، (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١). وأضاف الأهواء إليهم لأنها بدعهم وضلالاتهم ، ولذلك سمى أصحاب البدع : أرباب الأهواء. (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) : أي من الدين وجعله علما ، لأنه معلوم بالبراهين الصحيحة ، قالوا : وتدل هذه الآية على أمور منها : أن من علم الله منه أنه لا يفعل الشيء ، يجوز أن يخاطب بالوعيد لاحتمال أن يكون الصارف له ذلك الوعيد ، أو يكون ذلك الوعيد أحد الصوارف ، ونظيره : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ). ومنها ، إن قوله : (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) يدل على أنه لا يجوز الوعيد إلا بعد المعذرة أولا ، فيبطل بذلك تكليف ما لا يطاق. ومنها : أن اتباع الهوى باطل ، فيدل على بطلان التقليد. وقد فسر العلم هنا بالقرآن ، وبالعلم بضلال القوم ، وبالبيان بأن دين الله هو الإسلام ، وبالتحول إلى الكعبة ، قاله ابن عباس. وفي قوله : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) ، قطع لأطماعهم أن تتبع أهواؤهم ، لأن من علم أنه لا ولي له ولا نصير ينفعه إذا ارتكب شيئا كان أبعد في أن لا يرتكبه ، وذلك إياس لهم في أن يتبع أهواءهم أحد ، وقد تقدّم الكلام في الوليّ والنصير ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ، قال ابن عباس : نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب ، وكانوا اثنين وثلاثين من أهل الحبشة ، وثمانية من رهبان الشام. وقيل : كان بعضهم من أهل نجران ، وبعضهم من أهل الحبشة ، ومن الروم ، وثمانية ملاحون أصحاب السفينة أقبلوا مع جعفر. وقال الضحاك : هم من آمن من اليهود ، كابن سلام ، وابن صوريا ، وابن يامين ، وغيرهم. وقيل : في علماء اليهود وأحبار النصارى. وقال ابن كيسان : الأنبياء والمرسلون. وقيل : المؤمنون. وقيل : الصحابة ، قاله عكرمة وقتادة. وعلى هذا الاختلاف ، يتنزل الاختلاف في الكتاب ، أهو التوراة أو الإنجيل؟ أو هما والقرآن؟ أو الجنس؟ فيكون يعني به المكتوب ، فيشمل الكتب المتقدمة. (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) : أي يقرأونه ويرتلونه بإعرابه. وقال عكرمة : يتبعون أحكامه. وقال الحسن : يعملون بمحكمه ويكلون متشابهه إلى الله. وقال عمر : يسألون من رحمته ويستعيذون من عذابه. وقال الزمخشري : لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والذين : مبتدأ ، فإن أريد به الخصوص في من اهتدى ، صح أن يكون
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٨٢.