القفال : لم يزل في ذريتهما من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا ، ولم تزل الرسل عليهم الصلاة والسلام من ذريتهما ، وكان في الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل ، وقس بن ساعدة الأيادي. ويقال : عبد المطلب بن هاشم ، جدّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعمرو بن الظرب ، كانا على دين الإسلام. وجوّز الزمخشري أن يكون من في قوله : ومن ذريتنا ، للتبيين ، قال كقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (١) ، وقد تقدّم لنا أن كون من للتبيين يأباه أصحابنا ويتأولون ما فهم من ظاهره ذلك. وتقدّم شرح الأمة ، والمراد به هنا : الجماعة ، أو الجيل ، والمعنى : على أن من ذريتنا هو في موضع المفعول الأول لقوله : واجعل ، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير ، فالمعنى : واجعل ناسا من ذريتنا أمة مسلمة لك ، ويمتنع أن يكون ما قدّر من قوله : واجعل من ذريتنا بمعنى : أوجدوا خلق. وإن كان من جهة المعنى صحيحا ، فكان يكون الجعل هنا يتعدى إلى واحد. ومن ذريتنا متعلق بأجعل المقدرة ، لأنه إن كان من باب عطف المفردات ، فهو مشترك في العامل الأول ، والعامل الأول ليس معناه على الخلق والإيجاد. وإن كان من باب عطف الجمل ، فلا يحذف إلا ما دل عليه المنطوق. والمنطوق ليس بمعنى الإيجاد ، فكذلك المحذوف. ألا تراهم قد منعوا في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (٢) أن يكون التقدير : وملائكته يصلون ، لاختلاف مدلولي الصلاتين لأنهما من الله الرحمة ، ومن الملائكة الدعاء ، وتأولوا ذلك وحملوه على القدر المشترك بين الصلاتين لا على الحذف؟ وأجاز أبو البقاء أن يكون المفعول الأول أمة ، ومن ذريتنا حال ، لأنه نعت نكرة تقدم عليها فانتصب على الحال ، ومسلمة المفعول الثاني ، وكان الأصل : اجعل أمة من ذريتنا مسلمة لك ، قال : فالواو داخلة في الأصل على أمة ، وقد فصل بينهما بقوله : من ذريتنا ، وهو جائز ، لأنه من جملة الكلام المعطوف بالظرف ، وجعلوا قوله :
يوما تراها كشبه أردية |
|
العصب ويوما أديمها نغلا |
من الضرورات ، فالفصل بالحال أبعد من الفصل بالظرف ، فصار نظير : ضربت الرجل ، ومتجردة المرأة تريد : والمرأة متجردة ، وينبغي أن يختص جواز هذا بالضرورة.
(وَأَرِنا مَناسِكَنا) : قال قتادة : معالم الحج. وقال عطاء وابن جريج : مذابحنا ، أي مواضع الذبح. وقيل : كل عبادة يتعبد بها الله تعالى. وقال تاج القراء الكرماني : إن كان المراد
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٥٥.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٣.