(يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) جملة في موضع الصفة لرسولا. وقيل : في موضع الحال منه ، لأنه قد وصف بقوله منهم ، ووصف إبراهيم الرسول بأنه يكون يتلو عليهم آيات الله ، أي يقرؤها ، فكان كذلك ، وأوتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن ، وهو أعظم المعجزات. وقبل الله دعاء إبراهيم ، فأتى بالمدعو له على أكمل الأوصاف التي طلبها إبراهيم ، والآيات هنا آيات القرآن. وقيل : خبر من مضى ، وخبر من يأتي إلى يوم القيامة ، وقال الفضل : معناه يبين لهم دينهم.
(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) : هو القرآن ، والمعنى : أنه يفهمهم ويلقي إليهم معانيه. وكان ترتيب التعليم بعد التلاوة ، لأنه أول ما يقرع السمع هو التلاوة والتلفظ بالقرآن ، ثم بعد ذلك تتعلم معانيه ويتدبر مدلوله. وأسند التعليم للرسول ، لأنه هو الذي يلقي الكلام إلى المتعلم ، وهو الذي يفهمه ويتلطف في إيصال المعاني إلى فهمه ، ويتسبب في ذلك. والتعليم يكون بمعنى التفهيم وحصول العلم للمتعلم ، ويكون بمعنى إلقاء أسباب العلم ، ولا يحصل به العلم ، ولذلك يقبل النقيضين ، تقول : علمته فتعلم ، وعلمته فما تعلم ، وذلك لاختلاف المفهومين من تعلم. قال الزمخشري : يتلو عليهم آياتك : يقرأ عليهم ، ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك ، ويعلمهم الكتاب القرآن ، (وَالْحِكْمَةَ) : الشريعة وبيان الأحكام. وقال قتادة : الحكمة : السنة ، وبيان النبي : الشرائع. وقال مالك وأبو رزين : الحكمة ، الفقه في الدين ، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى. وقال مجاهد : الحكمة : فهم القرآن. وقال مقاتل : العلم والعمل به لا يكون الرجل حكيما حتى يجمعهما. وقيل : الحكم والقضاء. وقيل : ما لا يعلم إلا من جهة الرسول. وقال ابن زيد : كل كلمة وعظتك ، أو دعتك إلى مكرمة ، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة. وقال بعضهم : الحكمة هنا الكتاب ، وكررها توكيدا. وقال أبو جعفر محمد بن يعقوب : كل صواب من القول ورّث فعلا صحيحا فهو حكمة. وقال يحيى بن معاذ : الحكمة جند من جنود الله ، يرسلها الله إلى قلوب العارفين حتى يروّح عنها وهج الدنيا. وقيل : هي وضع الأشياء مواضعها. وقيل : كل قول وجب فعله. وهذه الأقوال في الحكمة كلها متقاربة ، ويجمع هذه الأقوال قولان : أحدهما ، القرآن والآخر السنة ، لأنها المبينة لما انبهم من الكتاب ، والمظهرة لوجوه الأحكام. ويكون المعنى ، والله أعلم ، في قوله : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) ، أي يفصح لهم عن ألفاظه ويوقفهم بقراءته على كيفية تلاوته ، كما قال صلىاللهعليهوسلم لأبي : «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» ، وذلك لأن يتعلم أبي منه صلىاللهعليهوسلم كيفية أداء القرآن