ومقاطعه ومواصله. وفي قوله : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) ، أي يبين لهم وجوه أحكامه : حلاله وحرامه ، ومفروضه ، ومسنونه ، ومواعظه ، وأمثاله ، وترغيبه ، وترهيبه ، والحشر ، والنشر ، والعقاب ، والثواب ، والجنة والنار. وفي قوله : والحكمة ، أي السنة تبين ما في الكتاب من المجمل ، وتوضح ما انبهم من المشكل ، وتفصح عن مقادير ، وعن إعداد مما لم يتعرض الكتاب إليه ، ويثبت أحكاما لم يتضمنها الكتاب. (وَيُزَكِّيهِمْ) باطنا من أرجاس الشرك وأنجاس الشك ، وظاهرا بالتكاليف التي تمحص الآثام وتوصل الإنعام. قال ابن عباس : التزكية : الطاعة والإخلاص. وقال ابن جريج : يطهرهم من الشرك. وقيل : يأخذ منهم الزكاة التي تكون سببا لطهرتهم. وقيل : يدعوا إلى ما يصيرون به أزكياء. وقيل : يشهد لهم بالتزكية من تزكية العدول ، ومعنى الزكاة لا تخرج عن التطهير أو التنمية.
(إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، العزيز : الغالب ، أو المنيع الذي لا يرام ، قاله المفضل بن سلمة ، أو الذي لا يعجزه شيء ، قاله ابن كيسان ، أو الذي لا مثل له ، قاله ابن عباس ، أو المنتقم ، قاله الكلبي ، أو القوي ، ومنه فعزنا بثالث ، أو المعز ومنه : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) (١). الحكيم : قد تقدم تفسير الحكيم في قصة الملائكة وآدم في قوله : (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٢). وأنت : يجوز فيها ما جاز في (أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣) قبل من الأعاريب. وهاتان الصفتان متناسبتان لما قبلهما ، لأن إرسال رسول متصف بالأوصاف التي سألها إبراهيم لا تصدر إلا عمن اتصف بالعزة ، وهي الغلبة أو القوّة ، أو عدم النظير ، وبالحكمة التي هي إصابة مواقع الفعل ، فيضع الرسالة في أشرف خلقه وأكرمهم عليه ، الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وتقدّمت صفة العزيز على الحكيم لأنها من صفات الذات ، والحكيم من صفات الأفعال ، ولكون الحكيم فاصلة كالفواصل قبلها. وفي المنتخب : يتلو عليهم آياتك : هي القرآن. وقيل : الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته. ومعنى التلاوة : تذكيرهم بها ودعاؤهم إليها وحملهم على الإيمان بها ، وحكمة التلاوة : بقاء لفظها على الألسنة ، فيبقى مصونا عن التحريف والتصحيف ، وكون نظمها ولفظها معجزا ، وكون تلاوتها في الصلوات وسائر العبادات نوع عبادة إلا أن الحكمة العظمى تعليم ما فيه من الدلائل والأحكام. وقال القفال ، عبر بعض الفلاسفة عن الحكمة ، بأنها التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية ، وقيل الحكمة المتشابهات. وقيل :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٣٢.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٢٧.