لا يعدل عن ملته. وهاتان الجملتان مؤكدتان ، أما الأولى فباللام ، وأما الثانية فبأن وباللام. ولما كان إخبارا عن حالة مغيبة في الآخرة ، احتاجت إلى مزيد تأكيد ، بخلاف حال الدنيا ، فإن أرباب المآل قد علموا اصطفاء الله له في الدنيا بما شاهدوه منه ونقلوه جيلا بعد جيل. وأما كونه في الآخرة من الصالحين ، فأمر مغيب عنهم يحتاج فيه إلى إخبار من الله تعالى ، فأخبر الله به مبالغا في التوكيد ، وفي الآخرة متعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده ، أي وأنه لصالح في الآخرة. وقال بعضهم : هو على إضمار ، أعني : فهو للتبيين ، كلك بعد سقيا ، وإنما لم يتعلق بالصالحين ، لأن اسم الفاعل في صلة الألف واللام ، ولا يتقدّم معمول الوصف إذ ذاك. وكان بعض شيوخنا يجوّز ذلك ، إذا كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا ، قال : لأنهما يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما. وجوزوا أن تكون الألف واللام غير موصولة ، بل معرفة ، كهي في الرجل ، وأن يتعلق المجرور باسم الفاعل إذ ذاك. وقيل : في الآخرة ، أي في عمل الآخرة ، فيكون على حذف مضاف ، وقيل : الآخرة هنا البرزخ ، والصلاح ما يتبعه من الثناء الحسن في الدنيا. وقيل : الآخرة يوم القيامة ، وهو الأظهر. قال ابن عباس : لمن الصالحين ، أي الأنبياء. وقيل : من الذين يستوجبون صالح الجزاء ، قال معناه الحسن. وقيل : الواردين موارد قدسه ، والحالين مواطن أنسه. وقال الحسن بن الفضل : في الكلام تقديم وتأخير ، التقدير ، ولقد اصطفيناه في الدنيا ، وفي الآخرة ، وأنه لمن الصالحين. وهذا الذي ذهب إليه خطأ ينزه كتاب الله عنه.
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) : هذا من الالتفات ، إذ لو جرى على الكلام السابق ، لكان : إذ قلنا له أسلم ، وعكسه في الخروج من الغائب إلى الخطاب قوله :
باتت تشكي إليّ النفس مجهشة |
|
وقد حملتك سبعا بعد سبعينا |
والعامل في إذ : قال أسلمت. وقيل : ولقد اصطفيناه ، أي اخترناه في ذلك الوقت ، وجوّز بعضهم أن يكون بدلا من قوله : في الدنيا ، وأبعد من جعل إذ قال في موضع الحال من قوله : ولقد اصطفيناه ، وجعل العامل في الحال اصطفيناه ، وقيل : محذوف تقديره أذكر. وعلى تقدير أن العامل اصطفيناه أو اذكر المقدّرة ، يبقى قوله : قال أسلمت ، لا ينتظم مع ما قبله ، إلا إن قدر ، يقال : فحذف حرف العطف ، أو جعل جوابا لكلام مقدّر ، أي ما كان جوابه؟ قال : أسلمت. وهل القول هنا على بابه ، فيكون ذلك بوحي من الله وطلب؟ أم هذا