والذي ذكره النحويون أن جملة الاعتراض هي الجملة التي تفيد تقوية بين جزأي موصول وصلة ، نحو قوله :
ماذا ولا عتب في المقدور رمت |
|
إما تخطيك بالنجح أو خسر وتضليل |
وقال :
ذاك الذي وأبيك يعرف مالكا |
|
والحق يدفع ترهات الباطل |
أو بين جزأي إسناد ، نحو قوله :
وقد أدركتني والحوادث جمة |
|
أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل |
أو بين فعل شرط وجزائه ، أو بين قسم وجوابه ، أو بين منعوت ونعته ، أو ما أشبه ذلك مما بينهما تلازم ما. وهذه الجملة التي هي قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ليست من هذا الباب ، لأن قبلها كلاما مستقلا ، وبعدها كلام مستقل ، وهو قوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ). لا يقال : إن بين المشار إليه وبين الإخبار عنه تلازم يصح به أن تكون الجملة معترضة ، لأن ما قبلها من كلام بني يعقوب ، حكاه الله عنهم ، وما بعدها من كلام الله تعالى ، أخبر عنهم بما أخبر تعالى. والجملة الاعتراضية الواقعة بين متلازمين لا تكون إلا من الناطق بالمتلازمين ، يؤكد بها ويقوي ما تضمن كلامه. فتبين بهذا كله أن قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ليس جملة اعتراضية. وقال ابن عطية : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ابتداء وخبر ، أي : كذلك كنا ونحن نكون. ويحتمل أن يكون في موضع الحال. والعامل نعبد والتأويل الأول أمدح. انتهى كلامه. ويظهر منه أنه جعل الجملة معطوفة على جملة محذوفة ، وهي قوله : كذلك كنا ، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار ، لأنه يصح عطفها على نعبد إلهك ، كما ذكرناه وقررناه قبل. ومتى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ، مع صحة المعنى ، كان أولى من حمله على الإضمار.
وفي المنتخب ما ملخصه تمسك بهذه الآية المقلدة ، وقالوا : إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد ، ولم ينكره هو عليهم ، فدل على أن التقليد كاف ، واستدل بها التعليمية ، قالوا : لا طريق لمعرفة الله تعالى إلا بتعليم الرسول والإمام ، فإنهم لم يقولوا : نعبد الإله الذي دل عليه العقل ، بل قالوا : لا نعبد إلا الذي أنت تعبده وآباؤك تعبده ، وهذا يدل على أن طريقة المعرفة التعلم. وما ذهبوا إليه لا دليل في الآية عليه ، لأن الآية لم تتضمن إلا الإقرار بعبادة الإله. والإقرار بالعبادة لله لا تدل على أن ذلك ناشىء عن تقليد ، ولا تعليم ، ولا أنه أيضا