الإسلام فيها أربعة. أحدها : قول الجبرية ، وهو أن العبد مجبور على فعله ، وأنه لا اختيار له في ذلك ، بل هو ملجأ إليه ، وأن نسبة الفعل إليه كنسبة حركة الغصن إليه ، إذا حركه محرك. والثاني : قول القدرية ، وهو أنهم ليسوا مجبورين على الفعل ، بل لهم قدرة على إيجاد الفعل. والثالث : قول المعتزلة ، أن العبد له قدرة يخلقها الله له قبل الفعل ، وهو متمكن من إيقاعه وعدم إيقاعه. والرابع : مذهب أهل السنة والجماعة : أن الله يخلق للعبد تمكينا وقدرة مع الفعل يفعل بها الخير والشر ، لا على سبيل الاضطرار والإلجاء ، وهذا التمكين هو مناط التكليف الذي يترتب عليه العقاب والثواب. ثم بعد اتفاقهم على هذا الأصل ، اختلفوا في تفسيره على ثلاثة تفاسير : أحدها : قول أبي الحسن : أن القدرة صفة متعلقة بالمقدور من غير تأثير في المقدور ، بل القدرة والمقدور حصلا بخلق الله ، لكن الشيء الذي حصل بخلق الله ، وهو متعلق القدرة الحادثة ، هو الكسب. والثاني : قول الباقلاني : أن ذات الفعل لم تحصل له صفة ، كونه طاعة ومعصية ، بل هذه الصفة حصلت له بالقدرة الحادثة. والثالث : قول أبي إسحاق الأسفرائني : أن القدرتين ، القديمة والحديثة ، إذا تعلقتا بمقدور وقع بهما ، فكان فعل العبد يوقع بإعانة ، فهذا هو الكسب.
(وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) : جملة توكيدية لما قبلها ، لأنه قد أخبر بأن كل أحد مختص بكسبه من خير ، وإذا كان كذلك ، فلا يسأل أحد عن عمل أحد. فكما أنه لا ينفعكم حسناتهم ، فكذلك لا تسألون ولا تؤاخذون بسيئات من اكتسبها. (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١) ، كل شاة برجلها تناط. قالوا : وفي هذه الآية ، وما قبلها ، دليل على أن للإنسان أن يحتج على غيره بما يجري مجرى المناقضة لقوله ، إفحاما له ، وإن لم يكن ذلك حجة في نفسه ، لأن من المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يحتج على نبوّته بأمثال هذه الكلمات ، بل كان يحتج بالمعجزات الباهرة. لكنه لما أقام الحجة بها وأزاح العلة ، وجدهم معاندين مستمرين على باطلهم. فعند ذلك أورد عليهم من الحجة ما يجانس ما كانوا عليه ، فقال : إن كان الدين بالاتباع ، فالمتفق عليه أولى. وفي قوله : (لَها ما كَسَبَتْ) إلى آخره ، دلالة على بطلان قول من يقول بجواز تعذيب أولاد المشركين بذنوب آبائهم. وفي الآية قبلها دلالة على أن الأبناء يثابون على طاعة الآباء.
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) : الضمير عائد في قالوا على رؤساء اليهود
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤ ، وسورة الإسراء : ١٧ / ١٥ ، وسورة فاطر : ٣٥ / ١٨ ، وسورة الزمر : ٣٩ / ٧.