اخترنا حذف الخبر بعد لا ريب ، وفي الثانية تنزيل المعاني منزلة الأجسام ، إذ جعل القرآن ظرفا والهدى مظروفا ، فألحق المعنى بالعين ، وأتى بلفظة في التي تدل على الوعاء كأنه مشتمل على الهدى ومحتو عليه احتواء البيت على زيد في قولك : زيد في البيت : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) : الإيمان : التصديق ، (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (١) ، وأصله من الأمن أو الأمانة ، ومعناهما الطمأنينة ، منه : صدقه ، وأمن به : وثق به ، والهمزة في أمن للصيرورة كأعشب ، أو لمطاوعة فعل كأكب ، وضمن معنى الاعتراف أو الوثوق فعدى بالباء ، وهو يتعدى بالباء واللام (فَما آمَنَ لِمُوسى) (٢) ، والتعدية باللام في ضمنها تعد بالباء ، فهذا فرق ما بين التعديتين. الغيب : مصدر غاب يغيب إذا توارى ، وسمى المطمئن من الأرض غيبا لذلك أو فعيل من غاب فأصله غيب ، وخفف نحو : لين في لين ، والفارسي لا يرى ذلك قياسا في بنات الياء ، فلا يجيز في لين التخفيف ويجيزه في ذوات الواو ، نحو : سيد وميت ، وغيره قاسه فيهما. وابن مالك وافق أبا علي في ذوات الياء. وخالف الفارسي في ذوات الواو ، فزعم أنه محفوظ لا مقيس ، وتقرير هذا في علم التصريف. (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) والإقامة : التقويم ، أقام العود قومه ، أو الإدامة أقامت الغزالة سوق الضراب ، أي أدامتها من قامت السوق ، أو التشمر والنهوض من قام بالأمر ، والهمزة في أقام للتعدية. الصلاة : فعلة ، وأصله الواو لاشتقاقه من الصلى ، وهو عرق متصل بالظهر يفترق من عند عجب الذنب ، ويمتد منه عرقان في كل ورك ، عرق يقال لهما الصلوان فإذا ركع المصلي انحنى صلاه وتحرك فسمي بذلك مصليا ، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي مع صلوى السابق. قال ابن عطية : فاشتقت الصلاة منه إما لأنها جاءت ثانية الإيمان فشبهت بالمصلى من الخيل ، وإما لأن الراكع والساجد ينثني صلواه ، والصلاة حقيقة شرعية تنتظم من أقوال وهيئآت مخصوصة ، وصلى فعل الصلاة ، وأما صلى دعا فمجاز وعلاقته تشبيه الداعي في التخشع والرغبة بفاعل الصلاة ، وجعل ابن عطية الصلاة مما أخذ من صلى بمعنى دعا ، كما قال :
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي |
|
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا |
وقال :
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها |
|
وإن ذبحت صلى عليها وزمزما |
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٨٣.