وتكون الثانية توكيدا. ألا ترى إلى سقوطها في آل عمران في قوله : (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) (١)؟ ويجوز أن يكون في موضع حال من الضمير العائد على الموصول ، فتتعلق بمحذوف ، أي وما أوتيه النبيون كائنا من ربهم.
(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) : ظاهره الاستئناف. والمعنى : أنا نؤمن بالجميع ، فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، كما فعلت اليهود والنصارى. فإن اليهود آمنوا بالأنبياء كلهم ، وكفروا بمحمد وعيسى ، صلوات الله على الجميع. والنصارى آمنوا بالأنبياء ، وكفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : معناه لا نقول إنهم يتفرقون في أصول الديانات. وقيل : معناه لا نشق عصاهم ، كما يقال شق عصا المسلمين ، إذا فارق جماعتهم. وأحد هنا ، قيل : هو المستعمل في النفي ، فأصوله : الهمزة والحاء والدال ، وهو للعموم ، فلذلك لم يفتقر بين إلى معطوف عليه ، إذ هو اسم عام تحته أفراد ، فيصح دخول بين عليه ، كما تدخل على المجموع فتقول : المال بين الزيدين ، ولم يذكر الزمخشري غير هذا الوجه. وقيل : أحد هنا بمعنى : واحد ، والهمزة بدل من الواو ، إذ أصله : وحد ، وحذف المعطوف لفهم السامع ، والتقدير : بين أحد منهم وبين نظيره ، فاختصر ، أو بين أحد منهم والآخر ، ويكون نظير قول الشاعر :
فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلا ليال قلائل |
يريد : بين الخير وبيني ، فحذف لدلالة المعنى عليه ، إذ قد علم أن بين لا بد أن تدخل بين شيئين ، كما حذف المعطوف في قوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٢). ومعلوم أن ما وقي الحر وقي البرد ، فحذف والبرد لفهم المعنى. ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه. وذكر الوجهين غير الزمخشري وابن عطية ، والوجه الأول أرجح ، لأنه لا حذف فيه. (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) : هذا كله مندرج تحت قوله : (قُولُوا). ولما ذكر أولا الإيمان ، وهو التصديق ، وهو متعلق بالقلب ، ختم بذكر الإسلام ، وهو الانقياد الناشئ عن الإيمان الظاهر عن الجوارح. فجمع بين الإيمان والإسلام ، ليجتمع الأصل والناشئ عن الأصل. وقد فسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإيمان والإسلام حين سئل عنهما ، وذلك في حديث جبريل عليهالسلام. وقد فسروا قوله : (مُسْلِمُونَ) بأقوال متقاربة في المعنى ، فقيل : خاضعون ، وقيل : مطيعون ، وقيل : مذعنون للعبودية ، وقيل : مذعنون لأمره ونهيه عقلا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٨٤.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٨١.