يبقى على الحظر. وظاهر الآية أن ما جمع الوصفين الحل والطيب مما في الأرض ، فهو مأذون في أكله. أما تملكه والتصدق به ، أو ادخاره ، أو سائر الانتفاعات به غير الأكل ، فلا تدل عليه الآية. فإما أن يجوز ذلك بنص آخر ، أو إجماع عند من لا يرى القياس ، أو بالقياس على الأكل عند من يقول بالقياس.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وقرأ ابن عامر والكسائي وقنبل وحفص وعباس ، عن أبي عمرو والبرجمي ، عن أبي بكر : بضم الخاء والطاء وبالواو. وقرأ باقي السبعة : بضم الخاء وإسكان الطاء وبالواو. وقرأ أبو السمال : خطوات ، بضم الخاء وفتح الطاء وبالواو. وقد تقدم أن هذه لغى ثلاث في جمع خطوة. ونقل ابن عطية والسجاوندي أن أبا السمال قرأ : خطوات ، بفتح الخاء والطاء وبالواو ، جمع خطوة ، وهي المرة من الخطو. وقرأ علي وقتادة والأعمش وسلام : خطؤات ، بضم الخاء والطاء والهمزة ، واختلف في توجيه هذه القراءة فقيل : الهمزة أصل ، وهو من الخطأ جمع خطأة ، إن كان سمع ، وإلا فتقديرا. وممن قال إنه من الخطأ أبو الحسن الأخفش ، وفسره مجاهد خطاياه ، وتفسيره يحتمل أن يكون فسر بالمرادف ، أو فسر بالمعنى. وقيل : هو جمع خطوة ، لكنه توهم ضمة الطاء أنها على الواو فهمز ، لأن مثل ذلك قد يهمز. قال معناه الزمخشري : والنهي عن اتباع خطوات الشيطان كناية عن ترك الاقتداء به ، وعن اتباع ما سنّ من المعاصي. يقال : اتبع زيد خطوات عمرو ووطئ على عقبيه ، إذا سلك مسلكه في أحواله. قال ابن عباس : خطواته أعماله. وقال مجاهد : خطاياه. وقال السدي : طاعته. وقال أبو مجلز : النذور في المعاصي. وقيل : ما ينقلهم إليه من معصية إلى معصية ، حتى يستوعبوا جميع المعاصي ، مأخوذ من خطو القدم من مكان إلى مكان. وقال الزجاج وابن قتيبة : طرقه. وقال أبو عبيدة : محقرات الذنوب. وقال المؤرّج آثاره وقال عطاء : زلاته ، وهذه أقوال متقاربة المعنى صدرت من قائلها على سبيل التمثيل. والمعنى بها كلها النهي عن معصية الله ، وكأنه تعالى لما أباح لهم الأكل من الحلال الطيب ، نهاهم عن معاصي الله وعن التخطي إلى أكل الحرام ، لأن الشيطان يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة ، فيزين بذلك ما لا يحل ، فزجر الله عن ذلك. والشيطان هنا إبليس ، والنهي هنا عن اتباع كل فرد فرد من المعاصي ، لا أن ذلك يفيد الجمع ، فلا يكون نهيا عن المفرد.
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) : تعليل لسبب هذا التحذير من اتباع الشيطان ، لأن من ظهرت