إليك ، ولا أعطوا السائل ولو كان محتاجا ، ولا ردوا السائل ولو بمائة دينار. فإذا تقرر هذا ، فالواو في ولو في المثل التي ذكرناها عاطفة على حال مقدرة ، والعطف على الحال حال ، فصح أن يقال : إنها للحال من حيث أنها عطفت جملة حالية على حال مقدرة. والجملة المعطوفة على الحال حال ، وصح أن يقال : إنها للعطف من حيث ذلك العطف ، والمعنى : والله أعلم إنكار اتباع آبائهم في كلّ حال ، حتى في الحالة التي لا تناسب أن يتبعوا فيها ، وهي تلبسهم بعدم العقل وعدم الهداية. ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على لو ، إذا كانت تنبيها على أن ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها. وإن كانت الجملة الواقعة حالا فيها ضمير يعود على ذي الحال ، لأن مجيئها عارية من الواو يؤذن بتقييد الجملة السابقة بهذه الحال ، فهو ينافي استغراق الأحوال حتى هذه الحال. فهما معنيان مختلفان ، والفرق ظاهر بين : أكرم زيدا لو جفاك ، أي إن جفاك ، وبين أكرم زيدا ولو جفاك. وانتصاب شيئا على وجهين : أحدهما : على المفعول به فعم جميع المعقولات ، لأنها نكرة في سياق النفي فتعم ، ولا يمكن أن يكون المراد نفي الوحدة فيكون المعنى لا يعقلون شيئا بل أشياء. والثاني : أن يكون منصوبا على المصدر ، أي شيئا من العقل ، وإذا انتفى ، انتفى سائر العقول ، وقدم نفي العقل ، لأنه الذي تصدر عنه جميع التصرّفات ، وأخر نفي الهداية ، لأن ذلك مترتب على نفي العقل ، لأن الهداية للصواب هي ناشئة عن العقل ، وعدم العقل عدم لها.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) : لما ذكر تعالى أن هؤلاء الكفار ، إذا أمروا باتباع ما أنزل الله ، أعرضوا عن ذلك ورجعوا إلى ما ألفوه من اتباع الباطل الذي نشأوا عليه ووجدوا عليه آباءهم ، ولم يتدبروا ما يقال لهم ، وصموا عن سماع الحق ، وخرسوا عن النطق به ، وعموا عن إبصار النور الساطع النبوي. ذكر هذا التشبيه العجيب في هذه الآية منبها على حالة الكافر في تقليده أباه ومحقرا نفسه ، إذ صار هو في رتبة البهيمة ، أو في رتبة داعيها ، على الخلاف الذي سيأتي في هذا التشبيه.
وهذه الآية لا بد في فهم معناها من تقدير محذوف. واختلفوا ، فمنهم من قال : المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق. ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به ، ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه داعي والكافر بالناعق ، ومنهم من قال : هو مضروب بتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به. فعلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر