والمجرور في قوله : به ، والضمير في به عائد على ما ، إذ هي موصولة بمعنى الذي. ومعنى أهل بكذا ، أي صالح. فالمعنى : وما صيح به ، أي فيه ، أي في ذبحه لغير الله ، ثم صار ذلك كناية عن كل ما ذبح لغير الله ، صيح في ذبحه أو لم يصح ، كما ذكرناه قبل. وفي ذبيحة المجوسي خلاف. وكذلك فيما حرم على اليهودي والنصراني بالكتاب. أما ما حرموه باجتهادهم ، فذلك لنا حلال. ونقل ابن عطية عن مالك : الكراهة فيما سمى عليه الكتابي اسم المسيح ، أو ذبحه لكنيسة ، ولا يبلغ به التحريم.
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وقال : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) (١). وقال : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٢) ، فلم يقيد في هذه الآية الاضطرار ، وقيده فيما قبل. فإن المضطر يكون غير متجانف لإثم. وفي الأولى بقوله : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ). قال مجاهد وابن جبير وغيرهما : غير باغ على المسلمين وعاد عليهم. فيدخل في الباغي والعادي : قطاع السبيل ، والخارج على السلطان ، والمسافر في قطع الرحم ، والغارة على المسلمين وما شاكله ، ولغير هؤلاء هي الرخصة. وإلى هذا ذهب الشافعي ، وهو أنه إذا لم يخرج باغيا على إمام المسلمين ، ولم يكن سفره في معصية ، فله أن يأكل من هذه المحرّمات إذا اضطر إليها. وإن كان سفره في معصية ، أو كان باغيا على الإمام ، لم يجز له أن يأكل. وقال عكرمة وقتادة والربيع وابن زيد وغيرهم : غير قاصد فساد وتعدّ ، بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة. وقال ابن عباس والحسن : غير باغ في الميتة في الأكل ، ولا عاد بأكلها ، وهو يجد غيرها ، وهو يرجع لمعنى القول قبله. وبه قال أبو حنيفة ومالك : وأباح هؤلاء للبغاة الخارجين على المسلمين الأكل من هذه المحرّمات عند الاضطرار ، كما أبا حوا لأهل العدل. وقال السدي : غير باغ ، أي متزيد على إمساك رمقه وإبقاء قوّته ، فيجيء أكله شهوة ، ولا عاد ، أي متزوّد. وقيل : غير باغ ، أي مستحل لها ، ولا عاد ، أي متزوّد منها. وقال شهر بن حوشب : غير باغ ، أي مجاوز القدر الذي يحل له ، ولا عاد ، أي لا يقصده فيما لا يحل له.
والظاهر من هذه الأقوال ، على ما يفهم من ظاهر الآية ، أنه لا إثم في تناول شيء من هذه المحرمات للمضطر الذي ليس بباغ ولا عاد. وإن قوله : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ، لا بد فيه من التقييد المذكور هنا ، وفي قوله : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) ، لأن آية الأنعام فيها
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٣.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١١٩.