الأربعة ، وانعطفت بالواو الجامعة لها. وعطف الأخبار بالواو ، ولا خلاف في جوازه ، بخلاف أن لا تكون معطوفة ، فإن في ذلك خلافا وتفصيلا. وناسب ذكر هذه الأخبار ما قبلها ، ومناسب عطف بعضها على بعض ، لما نذكره فنقول : متى ذكر وصف ورتب عليه أمر ، فللعرب فيه طريقان : أحدهما : أن تكون تلك الأمور المترتبة على الأوصاف مقابلة لها ، الأول منها لأول تلك الأوصاف ، والثاني للثاني ، فتحصل المقابلة من حيث المعنى ومن حيث الترتيب اللفظي ، حيث قوبل الأول بالأول ، والثاني بالثاني. وتارة يكون الأول من تلك الأمور مجاورا لما يليه من تلك الأوصاف ، فتحصل المقابلة من حيث المعنى ، لا من حيث الترتيب اللفظي ، وهذه الآية جاءت من هذا القبيل.
لما ذكر تعالى اشتراءهم الثمن القليل ، وكان ذلك كناية عن مطاعمهم الخسيسة الفانية ، بدأ أولا في الخبر بقوله : (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ). ثم قابل تعالى كتمانهم الدين والكتمان ، هو أن لا يتكلموا به بل يخفوه بقوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) ، فجوزوا على منع التكلم بالدين أن منعوا تكليم الله إياهم ، وابتنى على كتمانهم الدين ، واشترائهم بما أنزل الله ثمنا قليلا ، أنهم شهود زور وأخبار سوء ، حيث غيروا نعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وادعوا أن النبي المبتعث هو غير هذا ، فقوبل ذلك كله بقوله : (وَلا يُزَكِّيهِمْ). ثم ذكر أخيرا ما أعد لهم من العذاب الأليم ، فرتب على اشتراء الثمن القليل قوله : (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) ، وعلى الكتمان قوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) ، وعلى مجموع الوصفين قوله : (وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). فبدأ أولا : بما يقابل فردا فردا ، وثانيا : بما يقابل المجموع. ولما كانت الجملة الأولى مشتملة على فعل مسند إلى الله ، كان الكلام الذي قابلها فيه فعل مسند إلى الله. ولما كانت الثانية مسندة إليهم ، ليس فيها إسناد إلى الله ، جاءت الجملة المقابلة لها مسندة إليهم ، ولم يأت ما يطعمهم الله في بطونهم إلا النار. وناسب ذكر هذه الآية ما قبلها ، لأنه تعالى ذكر في الآية قبلها إباحة الطيبات ، ثم فصل أشياء من المحرمات ، فناسب أن يذكر جزاء من كتم شيئا من دين الله ، ومما أنزله على أنبيائه ، فكان ذلك تحذيرا أن يقع المؤمنون فيما وقع فيه أهل الكتاب ، من كتم ما أنزل الله عليهم واشترائهم به ثمنا قليلا.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) ، أولئك : اسم إشارة إلى الكاتمين الذين سبق ذكرهم ، وذكر ما أوعدوا به ، وتقدم تفسير : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) مستوعبا في أول السورة ، فأغنى عن إعادته. (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) : لما قدم حالهم في