فالأقرب أن يكون المراد كتابهم الذي هو الأصل عندهم ، دون القرآن. انتهى كلامه.
(لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) : تقدم أن ذلك إما مأخوذ من كون هذا يصير في شق وهذا في شق ، أو من كون هذا يشق على صاحبه. وكنى بالشقاق عن العداوة ، ووصف الشقاق بالبعد ، إما لكونه بعيدا عن الحق ، أو لكونه بعيدا عن الألفة. أو كنى به عن الطول ، أي في معاداة طويلة لا تنقطع. وهذا الاختلاف هو سبب اعتقاد كل طائفة أن كتابها هو الحق ، وأن غيره افتراء ، وقد كذبوا في ذلك. كتب الله يشبه بعضها بعضا ، ويصدق بعضها بعضا.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة نداء الناس ثانيا ، وأمرهم بالأكل من الحلال الطيب ، ونهيهم عن اتباع الشيطان ، وذكر خطواته ، كأنهم يقتفون آثاره ، ويطؤون عقبه. فكلما خطا خطوة ، وضعوا أقدامهم عليها ، وذلك مبالغة في اتباعه. ثم بين أنه إنما نهاهم عن اتباعه ، لأنه هو العدوّ المظهر لعداوته. ثم لم يكتف بذكر العداوة حتى ذكر أنه يأمرهم بالمعاصي. ولما كان لهم متبوعا وهم تابعوه ، ناسب ذكر الأمر ، إذ هم ممتثلون ما زين لهم ووسوس. ثم ذكر ما به أمرهم ، وهو أمره إياهم بالافتراء على الله ، والإخبار عن الله بما لا يعلمونه عن الله ، ثم ذكر شدة إعراضهم عما أنزل الله ، واقتفاء اتباع آبائهم ، حتى أنهم لو كان آباؤهم مسلوبي العقل والهداية ، لكانوا متبعيهم ، مبالغة في التقليد البحت والإعراض عن كتاب الله ، وجريا لخلفهم على سلف سننهم ، من غير نظر ولا استدلال.
ثم ذكر أن مثل الكفار وداعيهم إلى ما أنزل الله ، مثل الناعق بما لا يسمع إلا مجرد ألفاظ. ثم ذكر ما هم عليه من الصمم والبكم والعمي ، التي هي مانعة من وصول العلوم إلى الإنسان ، فلذلك ختم بقوله (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، لأن طرق العقل والعلم منسدة عليهم. ثم نادى المؤمنين نداء خاصا ، وأمرهم بالأكل من الطيب وبالشكر لله. ثم ذكر أشياء مما حرم ، وأباح الأكل منها حال الاضطرار ، وشرط في تناول ذلك أن لا يكون المضطر باغيا ولا عاديا. ولما أحل أكل الطيبات وحرم ما حرم هنا ، ذكر أحوال من كتم ما أنزل الله واشترى به النزر اليسير ، لتعتبر هذه الأمة بحال من كتم العلم وباعه بأخس ثمن ، إذ أخبر تعالى أنه لا يأكل في بطنه إلا النار ، أي ما يوجب أكله النار. وأن الله لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم حين يكلم المؤمنين تكليم رحمة وإحسان. وذكر أنهم مع انتفاء التعليم الذي هو أعلى الرتب للمرؤوس من الرئيس ، حيث أهله لمناجاته ومحادثته ، وانتفاء الثناء عليهم لهم العذاب المؤلم. ثم بالغ في ذمهم بأن هؤلاء هم الذين آثروا الضلال على الهدى ، والعذاب على النعيم. ثم ذكر أنهم بصدد أن يتعجب من جلدهم على النار ، وأن