وقول من أعاده على الله تعالى أبعد ، لأنه أعاده على لفظ بعيد مع حسن عوده على لفظ قريب ، وفي هذه الأوجه الثلاثة يكون المصدر مضافا للفاعل ، وهو أيضا بعيد.
قال ابن عطية : ويجىء قوله (عَلى حُبِّهِ) اعتراضا بليغا أثناء القول انتهى كلامه.
فإن كان أراد بالاعتراض المصطلح عليه في النحو فليس كذلك ، لأن شرط ذلك أن تكون جملة ، وأن لا يكون لها محل من الإعراب ، وهذه ليست بجملة ، ولها محل من الإعراب. وإن أراد بالاعتراض فصلا بين المفعولين بالحال فيصح ، لكن فيه إلباس ، فكان ينبغي أن يقول فصلا بليغا بين أثناء القول.
(ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ) أما ذوو القربى فالأولى حملها على العموم ، وهو : من تقرب إليك بولادة ، ولا وجه لقصر ذلك على الرحم المحرم ، كما ذهب إليه قوم ، لأن الحرم حكم شرعي ، وأما القرابة فهي لفظة لغوية موضوعة للقرابة في النسب ، وإن كان من يطلق عليه ذلك يتفاوت في القرب والبعد. وقد رويت أحاديث كثيرة في صلة القرابة ، وقد تقدم لنا الكلام على ذوي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، في قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (١) فاغنى عن إعادته.
(ذَوِي الْقُرْبى) وما بعده من المعطوفات هو المفعول الأول على مذهب الجمهور ، (الْمالَ) هو المفعول الثاني.
ولما كان المقصود الأعظم هو إيتاء المال على حبه قدّم المفعول الثاني اعتناء به لهذا المعنى.
وأما على مذهب السهيلي فإن (الْمالَ) عنده هو المفعول الأول ، و (ذَوِي الْقُرْبى) وما بعده هو المفعول الثاني ، فأتى التقديم على أصله عنده. و (الْيَتامى) معطوف على (ذَوِي الْقُرْبى) حمله بعضهم على حذف أي ذوي اليتامى ، قال : لأنه لا يحسن من المتصدق أن يدفع المال إلى اليتيم الذي لا يميز ولا يعرف وجوه منافعه ، ومتى فعل ذلك أخطأ ، فإن كان مراهقا عارفا بمواقع حقه ، والصدقة تؤكل أو تلبس ، جاز دفعها إليه ، وهذا على قول من خص اليتيم بغير البالغ ، وأما من البالغ والصغير عنده ينطلق عليها يتيم ، فيدفع للبالغ ولوليّ الصغير. انتهى.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٨٣.