كما تقول : صدقني الرمح ، أي : وجدته عند اختباره كما اختار وكما أظن به ، والتقوى هنا اتقاء عذاب الله بتجنب معاصيه ، وامتثال طاعته.
وتنوع هنا الخبر عن أولئك ، فأخبر عن أولئك الأول : بالذين صدقوا ، وهو مفصول بالفعل الماضي لتحقق اتصافهم به ، وأن ذلك قد وقع منهم وثبت واستقر ، واخبر عن أولئك الثاني : بموصول صلته اسم الفاعل ليدل على الثبوت ، وأن ذلك وصف لهم لا يتجدد ، بل صار سجية لهم ووصفا لازما ، ولكونه أيضا وقع فاصلة آية ، لأنه لو كان فعلا ماضيا لما كان يقع فاصلة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) : روى البخاري عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ، ولم يكن فيهم الدية. فقال الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة والشعبي : نزلت في قوم من العرب أعزة أقوياء لا يقتلون بالعبد منهم إلّا سيدا ، ولا بالمرأة إلّا رجلا.
وقال السدي ، وأبو مالك : نزلت في فريقين قتل أحدهما مسلم ، والآخر كافر معاهد ، كان بينهما على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتال ، فقتل من كلا الفريقين جماعة من رجال ونساء وعبيد ، فنزلت ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم دية الرجل قصاصا بدية الرجل ، ودية المرأة قصاصا بدية المرأة ، ودية العبد قصاصا بدية العبد. ثم أصلح بينهما.
وقيل : نزلت في حين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام ، وكان بينهما قتلى وجراحات لم يأخذ بعضهم من بعض. قال ابن جبير : هما الأوس والخزرج. وقال مقاتل بن حبان : هما قريظة والنضير ، وكان لأحدهما طول على الاخرى في الكثرة والشرف ، وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهور ، وأقسموا ليقتلن بالعبد الحر ، وجعلوا جراحاتهم ضعفي جراحات أولئك ، وكذلك كانوا يعاملونهم في الجاهلية ، فرفعوا أمرهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت ، وأمرهم بالمساواة فرضوا ، وفي ذلك قال قائلهم :
هم قتلوا فيكم مظنة واحد |
|
ثمانية ثم استمروا فأربعوا |
وروي أن بعض غني قتل شأس بن زهير ، فجمع عليهم أبوه زهير بن خزيمة فقالوا له ، وقال له بعض من يذب عنهم : سل في قتل شأس ، فقال : إحدى ثلاث لا يرضيني غيرهنّ ، فقالوا : ما هنّ؟ فقال : تحيون شأسا ، أو تملؤون داري من نجوم السماء ، أو تدفعون لي غنيا بأسرها فأقتلها ، ثم لا أرى أني أخذت عوضا.