عليكم تسليم النفس عند مطالبة الولي بالقصاص ، وذلك أنه يجب على القاتل ، إذا أراد الولي قتله ، أن يستسلم لأمر الله وينقاد لقصاصه المشروع ، وليس له أن يمتنع بخلاف الزاني والسارق ، فإن لهما الهرب من الحدّ ، ولهما أن يستترا بستر الله ، ولهما أن لا يعترفا. ويجب على الولي الوقوف عند قاتل وليه ، وأن لا يتعدى على غيره ، كما كانت العرب تفعل بأن تقتل غير قاتل قتيلها من قومه ، وهذا الكتب في القصاص مخصوص بأن لا يرضى الولي بدية أو عفو ، وإنما القصاص هو الغاية عند التشاحن ، وأمّا إذا رضي بدون القصاص من دية أو عفو فلا قصاص.
قال الراغب : فان قيل : على من يتوجه هذا الوجوب؟ قيل على الناس كافة ، فمنهم من يلزمه تسليم النفس ، وهو القاتل ، ومنهم من يلزمه استيفاؤه ، وهو الإمام إذا طلبه الولي ، ومنهم من يلزمه المعاونة والرضى ، ومنهم من يلزمه أن لا يتعدّى ، بل يقتص أو يأخذ الدية ، والقصد بالآية منع التعدّي ، فإن أهل الجاهلية كانوا يتعدّون في القتل ، وربما لا يرضى أحدهم إذا قتل عبدهم إلّا بقتل حر. اه كلامه.
وتلخص في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) ثلاثة أقوال.
أحدها : أنهم الأئمة ومن يقوم مقامهم. الثاني : أنهم القاتلون. الثالث : أنهم جميع المؤمنين على ما أوضحناه.
وقد اختلف في هذه الآية ، أهي ناسخة أو منسوخة؟ فقال الحسن : نزلت في نسخ التراجع الذي كانوا يفعلونه ، إذا قتل الرجل امرأة كان وليها بالخيار بين قتله مع تأدية نصف الدية ، وبين أخذ نصف دية الرجل وتركه ،. وإن كان قاتل الرجل امرأة ، كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة وأخذ نصف دية الرجل ، وإن شاؤوا أخذوا الدية كاملة ولم يقتلوها. قال : فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه. اه. ولا يكون هذا نسخا ، لأن فعلهم ذلك ليس حكما من أحكام الله فينسخ بهذه الآية.
وقال ابن عباس : هي منسوخة بآية المائدة ، وسيأتي الكلام في هذا.
ولما ذكر تعالى كتابة القصاص في القتل بين من يقع بينهم القصاص فقال : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) ، واختلفوا في دلالة هذه الجمل ، فقيل : يدل على مراعاة المماثلة في الحرية والعبودية والأنوثة ، فلا يكون مشروعا إلّا بين الحرين ، وبين