يستقل من الأعمال الصالحة في المدة التي عاشها بعد استحقاق قتله ما يمحو به هذه الفعلة الشنعاء ، فمن الرحمة إمهاله لعله يصلح أعماله.
(فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) أي : من تجاوز شرع الله بعد القود وأخذ الدية بقتل القاتل بعد سقوط الدم ، أو بقتل غير القاتل ، وكانوا في الجاهلية يفعلون ذلك ، ويقتلون بالواحد الإثنين والثلاثة والعشرة ، وقيل : المعنى : من قتل بعد أخذ الدية ، وقيل : بعد العفو ، وقيل : من أخذ الدية بعد العفو عنها. والأظهر القول الأول لتقدم العفو ، وأخذ المال ، والاعتداء ، وهو تجاوز الحد يشمل ذلك كله.
وقال الزمخشري : بعد ذلك التخفيف ، فجعل ذلك إشارة إلى التخفيف ، وليس يظهر أن ذلك إشارة إلى التخفيف ، وإنما الظاهر ما شرحناه به من العفو وأخذ الدية ، وكون ذلك تخفيفا هو كالعلة لمشروعية العفو وأخذ الدية ، ويحتمل : من في قوله : (فَمَنِ اعْتَدى) أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة.
(فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) جواب الشرط ، أو خبر عن الموصول ، وظاهر هذا العذاب أنه في الآخرة ، لأن معظم ما ورد من هذه التوعدات إنما هي في الآخرة. وقيل : العذاب الأليم هو في الدنيا ، وهو قتله قصاصا ، قاله عكرمة ، وابن جبير ، والضحاك : وقيل : هو قتله البتة حدا ، ولا يمكّن الحاكم الوليّ من العفو قاله عكرمة أيضا ، وقتادة ، والسدي.
وقيل : عذابه أن يرد الدية ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة ، قاله الحسن.
وقيل : عذابه تمكين الإمام منه يصنع فيه ما يرى ، قاله عمر بن عبد العزيز. ومذهب جماعة من العلماء أنه إذا قتل بعد سقوط الدم هو كمن قتل ابتداء ، إن شاء الولي قتله ، وإن شاء عفا عنه.
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الحياة التي في القصاص هي : أن الإنسان إذا علم أنه إذا قتل قتل ، أمسك عن القتل ، فكان ذلك حياة له ، والذي امتنع من قتله ، فمشروعية القصاص مصلحة عامة ، وإبقاء القاتل والعفو عنه مصلحة خاصة به ، فتقدّم المصلحة العامة لتعذر الجمع بينهما. أو المعنى : ولكم في شرع القصاص حياة ، وكانت العرب إذا قتل الرجل حمى قبيلة أن تقتص منه ، فيقتتلون ، ويفضي ذلك إلى قتل عدد كثير ، فلما شرع القصاص رضوا به وسلموا القاتل للقود ، وصالحوا على الدية