علمهم إلى ذاته ، لأنهم خواصه وأهل الزلفى لديه. فيكون هذا من مجاز الحذف ، أو على إطلاق العلم على معنى التمييز ، لأن بالعلم يقع التمييز ، أي لنميز التابع من الناكص ، كما قال تعالى : (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (١) ، ويكون هذا من مجاز إطلاق السبب ، ويراد به المسبب. وحكي هذا التأويل عن ابن عباس ، أو على أنه أراد ذكر علمه وقت موافقتهم الطاعة أو المعصية ، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب. فليس المعنى لنحدث العلم ، وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا ، إذ الله قد علم في القدم من يتبع الرسول. واستمر العلم حتى وقع حدوثهم ، واستمرّ في حين الاتباع والانقلاب ، واستمر بعد ذلك. والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم ، ويكون هذا قد كنى فيه بالعلم عن تعلق العلم ، أي ليتعلق علمنا بذلك في حال وجوده. أو على أنه أراد بالعلم التثبيت ، أي لنثبت التابع ، ويكون من إطلاق السبب ، ويراد به المسبب ، لأن من علم الله أنه متبع للرسول ، فهو ثابت الاتباع. أو على أنه أريد بالعلم الجزاء ، أي لنجازي الطائع والعاصي ، وكثيرا ما يقع التهديد في القرآن ، وفي كلام العرب ، بذكر العلم ، كقولك : زيد عصاك ، والمعنى : أنا أجازيه على ذلك ، أو على أنه أريد بالمستقبل هنا الماضي ، التقدير : لما علمنا ، أو لعلمنا من يتبع الرسول ممن يخالف. فهذه كلها تأويلات في قوله : لنعلم ، فرارا من حدوث العلم وتجدّده ، إذ ذلك على الله مستحيل. وكل ما وقع في القرآن ، مما يدل على ذلك ، أوّل بما يناسبه من هذه التأويلات. ونعلم هنا متعدّ إلى واحد ، وهو الموصول ، فهو في موضع نصب ، والفعل بعده صلته. وقال بعض الناس : نعلم هنا متعلقة ، كما تقول : علمت أزيد في الدار أم عمرو ، حكاه الزمخشري. وعلى هذا القول تكون من استفهامية في موضع رفع على الابتداء ، ويتبع في موضع الجر ، والجملة في موضع المفعول بنعلم. وقد ردّ هذا الوجه من الإعراب بأنه إذا علق نعلم ، لم يبق لقوله : (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) ، ما يتعلق به ، لأن ما بعد الاستفهام لا يتعلق بما قبله ، ولا يصح تعلقها بقوله : (يَتَّبِعُ) ، الذي هو خبر عن من الاستفهامية ، لأن المعنى ليس على ذلك ، وإنما المعنى على أن يتعلق بنعلم ، كقولك : علمت من أحسن إليك ممن أساء. وهذا يقوي أنه أريد بالعلم الفصل والتمييز ، إذ العلم لا يتعدى بمن إلا إذا أريد به التمييز ، لأن التمييز هو الذي يتعدى بمن. وقرأ الزهري : ليعلم ، على بناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله ، وهذا لا يحتاج إلى تأويل ، إذ الفاعل قد يكون غير الله تعالى ، فحذف وبنى الفعل للمفعول ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٩.