وقد جعلت إذا ما حاجة عرضت |
|
بباب دارك أدلوها بأقوام |
ويقال : أدلى فلان بحجته : قام بها ، وتدلى من كذا أي : هبط. قال :
كتيس الظباء الأعفر انضرجت له |
|
عقاب تدلت من شماريخ ثهلان |
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) : مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه أخبر تعالى : أولا : بكتب القصاص وهو : إتلاف النفوس ، وهو من أشق التكاليف ، فيجب على القاتل إسلام نفسه للقتل ، ثم أخبر ثانيا بكتب الوصية وهو : إخراج المال الذي هو عديل الروح ، ثم انتقل ثالثا إلى كتب الصيام ، وهو : منهك للبدن ، مضعف له ، مانع وقاطع ما ألفه الإنسان من الغذاء بالنهار ، فابتداء بالأشق ثم بالأشق بعده ، ثم بالشاق فبهذا انتقال فيما كتبه الله على عباده في هذه الآية ، وكان فيما قبل ذلك قد ذكر أركان الإسلام ثلاثة : الإيمان ، والصلاة ، والزكاة ، فأتى بهذا الركن الرابع ، وهو : الصوم.
وبناء (كُتِبَ) للمفعول في هذه المكتوبات الثلاثة ، وحذف الفاعل للعلم به ، إذ هو : الله تعالى ، لأنها مشاق صعبة على المكلف ، فناسب أن لا تنسب إلى الله تعالى ، وإن كان الله تعالى هو الذي كتبها ، وحين يكون المكتوب للمكلف فيه راحة واستبشار يبني الفعل للفاعل ، كما قال تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (١) (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (٢) (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٣) وهذا من لطيف علم البيان.
أما بناء الفعل للفاعل في قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٤) فناسب لاستعصاء اليهود وكثرة مخالفاتهم لأنبيائهم بخلاف هذه الأمة المحمدية ، ففرق بين الخطابين لافتراق المخاطبين ، ونادى المؤمنين عند إعلامهم بهذا المكتوب الثالث الذي هو الصيام لينبههم على استماع ما يلقي إليهم من هذا التكليف ، ولم يحتج إلى نداء في المكتوب الثاني لانسلاكه مع الأول في نظام واحد ، وهو : حضور الموت بقصاص أو غيره ، وتباين هذا التكليف الثالث منها ، وقدم الجار والمجرور على المفعول به الصريح وإن كان أكثر الترتيب العربي بعكس ذلك ، نحو : ضرب زيد بسوط ، لأن ما احتيج في تعدي الفعل إليه إلى واسطة دون ما تعدى إليه بغير واسطة ، لأن البداءة بذكر المكتوب عليه أكثر من ذكر
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٥٤.
(٢) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢١.
(٣) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ٤٥.