(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ظاهر اللفظ اعتبار مطلق المرض بحيث يصدق عليه الاسم ، وإلى ذلك ذهب ابن سيرين ، وعطاء ، والبخاري. وقال الجمهور : هو الذي يؤلم ، ويؤذي ، ويخاف تماديه ، وتزيده ؛ وسمع من لفظ مالك : أنه المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به التلف إذا صام ، وقال مرة : شدة المرض والزيادة فيه ؛ وقال الحسن ، والنخعي : إذا لم يقدر من المرض على الصيام أفطر. وقال الشافعي : لا يفطر إلّا من دعته ضرورة المرض إليه ، ومتى احتمل الصوم مع المرض لم يفطر. وقال أبو حنيفة : إن خاف أن تزداد عينه وجعا أو حمى شديدة أفطر.
وظاهر اللفظ اعتبار مطلق السفر زمانا وقصدا.
وقد اختلفوا في المسافة التي تبيح الفطر ، فقال ابن عمر ، وابن عباس ، والثوري وأبو حنيفة : ثلاثة أيام. وروى البخاري أن ابن عمر ، وابن عباس كانا يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وقد روي عن ابن أبي حنيفة : يومان وأكثر ثلاث ، والمعتبر السير الوسط لا غيره من الإسراع والإبطاء.
وقال مالك : مسافة الفطر مسافة القصر ، وهي يوم وليلة ، ثم رجع فقال : ثمانية وأربعون ميلا ، وقال مرة : اثنان وأربعون ، ومرة ستة وأربعون ؛ وفي المذهب : ثلاثون ميلا ، وفي غير المذهب ثلاثة أميال.
وأجمعوا على أن سفر الطاعة من جهاد وحج وصلة رحم وطلب معاش ضروري مبيح.
فأما سفر التجارة والمباح ففيه خلاف ، وقال ابن عطية : والقول بالإجازة أظهر ، وكذلك سفر المعاصي مختلف فيه أيضا ، والقول بالمنع أرجح. انتهى كلامه.
واتفقوا على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر ، قالوا : ولا خلاف أنه لا يجوز لمؤمل السفر أن يفطر قبل أن يخرج ، فان أفطر فقال أشهب : لا يلزمه شيء سافر ، أو لم يسافر. وقال سحنون : عليه الكفارة سافر ، أو لم يسافر ، وقال عيسى ، عن ابن القاسم : لا يلزمه إلّا قضاء يومه ، وروي عن أنس أنه أفطر وقد أراد السفر ، ولبس ثياب السفر ، ورجل دابته ، فأكل ثم ركب. وقال الحسن يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج ، وقال أحمد : إذا برز عن البيوت ، وقال إسحاق : لا بل حتى يضع رجله في الرحل.
ومن أصبح صحيحا ثم اعتل أفطر بقية يومه ، ولو أصبح في الحضر ثم سافر فله أن