بالأمر به ، وقد دعت الأنبياء والرسل ، ونزلت بالأمر به الكتب الإلهية ، وفي هذا رد على من زعم من الجهال أن الدعاء لا فائدة فيه ، وذكر شبها له على ذلك ردها أهل العلم بالشريعة ، وقالوا : الأولى بالعبد التضرع والسؤال إلى الله تعالى ، وإظهار الحاجة إليه لما روي من النصوص الدالة على الترغيب في الدعاء ، والحث عليه ، وقال قوم ممن يقول فيهم بعض الناس ، إنهم علماء الحقيقة : يستحب الدعاء فيما يتعلق بأمور الآخرة ، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فالله متكفل ، فلا حاجة إليها.
وقال قوم منهم. إن كان في حالة الدعاء أصلح ، وقلبه أطيب ، وسره أصفى ، ونفسه أزكى ، فليدع ؛ وإن كان في الترك أصلح فالإمساك عن الدعاء أولى به.
وقال قوم منهم : ترك الدعاء في كل حال أصلح لما فيه من الثقة بالله ، وعدم الاعتراض ، ولأنه اختيار والعارف ليس له اختيار.
وقال قوم منهم : ترك الذنوب هو الدعاء لأنه إذا تركها تولى الله أمره وأصلح شأنه ، قال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (١).
وقد تؤولت الإجابة والدعاء هنا على وجوه. أحدها : أن يكون الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على الله ، لأنك دعوته ووجدته ، والإجابة عبارة عن القبول لما سمي التوحيد دعاء سمي القبول إجابة ، لتجانس اللفظ.
الوجه الثاني : أن الإجابة هو السماع فكأنه قال : أسمع.
الوجه الثالث : أن الدعاء هو التوبة عن الذنوب لأن التائب يدعو الله عند التوبة ، والإجابة قبول التوبة.
الوجه الرابع : أن يكون الدعاء هو العبادة ، وفي الحديث : «الدعاء العبادة» قال تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٢) ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) (٣) والإجابة عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب.
الوجه الخامس : الإجابة أعم من أن يكون بإعطاء المسئول وبمنعه ، فالمعنى : إني أختار له خير الأمرين من العطاء والرد.
__________________
(١) سورة الطلاق : ٦٥ / ٣.
(٢) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.
(٣) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.