أعداء الله ، فأمر به فقال تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) والظاهر أن المقاتلة في سبيل الله هي الجهاد في الكفار لإظهار دين الله وإعلاء كلمته ، وأكثر علماء التفسير على أنها أول آية نزلت في الأمر بالقتال ، أمر فيها بقتال من قاتل ، والكف عن من كف ، فهي ناسخة لآيات الموادعة.
وروي عن أبي بكر أن أول آية نزلت في القتال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) (١) قال الراغب : أمر أولا بالرفق والاقتصار على الوعظ والمجادلة الحسنة ، ثم أذن له في القتال ، ثم أمر بقتال من يأبى الحق بالحرب ، وذلك كان أمرا بعد أمر على حسب مقتضى السياسة. انتهى.
وقيل : إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتال المشركين ، وقيل : هي محكمة ، وفي (ريّ الظمآن) هي منسوخة بقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (٢) وضعف نسخها بقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) لانه من باب التخصيص لا من باب النسخ ، ونسخ : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ) بقوله : (وَقاتِلُوهُمْ) بأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم ، وهذا الحكم لم ينسخ ، بل هو باق ، وبأنه يبعد أن يجمع بين آيات متوالية يكون كل واحدة منها ناسخة للاخرى ، وأبعد من ذهب إلى أن قوله : وقاتلوا ، ليس أمرا بقتال ، وإنما أراد بالمقاتلة المخاصمة والمجادلة والتشدّد في الدين ، وجعل ذلك قتالا ، لأنه يؤول إلى القتال غالبا ، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه. والآية على هذا محكمة.
هذا القول خلاف الظاهر ، والعدول عن الظاهر لغير مانع لا يناسب : في سبيل الله ، السبيل هو الطريق ، واستعير لدين الله وشرائعه ، فإن المتبع ذلك يصل به إلى بغيته الدينية والدنيوية ، فشبه بالطريق الموصل الإنسان إلى ما يقصده ، وهذا من استعارة الإجرام للمعاني ، ويتعلق : في سبيل الله ، بقوله : وقاتلوا ، وهو ظرف مجازي ، لأنه لما وقع القتال بسبب نصرة الدين صار كأنه وقع فيه ، وهو على حذف مضاف ، التقدير : في نصرة دين الله ، ويحتمل أن يكون من باب التضمين كأنه قيل : وبالغوا بالقتال في نصرة سبيل الله ، فضمن : قاتلوا ، معنى المبالغة في القتال.
(الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ظاهره : من يناجزكم القتال ابتداء ، أو دفعا عن الحق ، وقيل : من له أهلية القتال سوى من جنح للسلم فيخرج من هذا : النسوان ، والصبيان ، والرهبان ـ
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٣٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٩٣ ، وسورة الأنفال : ٨ / ٣٩.