في شهر الحرام وفي غيره ، وفي (المنتخب) أمر في الآية : الأولى بالجهاد بشرط إقدام الكفار على المقاتلة ، وفي هذه الآية زاد في التكليف. فأمر بالجهاد معهم سوآء قاتلوا أم لم يقاتلوا ، واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام. انتهى. وليس كما قال : إنه زاد في التكليف فأمر بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا ، لأن الضمير عائد على : الذين يقاتلونكم ، فالوصف باق إذ المعنى : واقتلوا الذين يقاتلونكم حيث ثقفتموهم ، فليس أمرا بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا.
قال ابن إسحاق : نزلت هذه الآية في شأن عمرو بن الحضرمي حين قتله وافد بن عبد الله التميمي ، وذلك في سرية عبد الله بن جحش.
(وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي : من المكان الذي أخرجوكم منه ، يعني مكة ، وهو أمر بالإخراج أمر تمكين ، فكأنه وعد من الله بفتح مكة ، وقد أنجز ما وعد ، وقد فعل ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة بمن لم يسلم معهم ، و : من حيث ، متعلق بقوله : وأخرجوهم ، وقد تصرف في : حيث ، بدخول حرف الجر عليها : كمن ، والباء ، وفي ، وبإضافة لدى إليها.
وضمير النصب في : أخرجوكم ، عائد على المأمورين بالقتل ، والإخراج ، وهو في الحقيقة عائد على بعضهم ، جعل إخراج بعضهم ، وهو أجلهم قدرا رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمهاجرون ، إخراجا لكلهم.
(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) في الفتنة هنا أقوال.
أحدها : الرجوع إلى الكفر أشدّ من أن يقتل المؤمن ، قاله مجاهد. وكانوا قد عذبوا نفرا من المؤمنين ليرجعوا إلى الكفر ، فعصمهم الله. والكفر بالله يقتضي العذاب دائما ، والقتل ليس كذلك ، وكان بعض الصحابة قتل في الشهر الحرام ، فاستعظم المسلمون ذلك.
الثاني : الشرك ، أيّ : شركهم بالله أشدّ حرما من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي.
الثالث : هتك حرمات الله منهم أشدّ من القتل الذي أبيح لكم أيها المؤمنون أن توقعوه بهم.