الرابع : عذاب الآخرة لهم أشدّ من قتلهم المسلمين في الحرم ومنه : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) (١) (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (٢) أي : عذبوهم.
الخامس : الإخراج من الوطن لما فيه من مفارقة المألوف والأحباب ، وتنغيص العيش دائما ، ومنه قول الشاعر :
لموت بحدّ السيف أهون موقعا |
|
على النفس من قتل بحدّ فراق |
السادس : أن يراد فتنتهم إياكم بصدّكم عن المسجد الحرام ، أشدّ من قتلكم إياهم في الحرم ، أو من قتلهم إياكم ، إن قتلوكم ، فلا تبالوا بقتالهم ، قاله الزمخشري ، وهو راجع لمعنى القول الثالث.
السابع : تعذيبهم المسلمين ليرتدوا ، قاله الكسائي.
وأصل الفتنة عرض الذهب على النار لاستخلاصه من الغش ، ثم صار يستعمل في الامتحان ، وإطلاقه على ما فسر به في هذه الأقوال شائع ، والفتنة والقتل مصدران لم يذكر فاعلهما ، ولا مفعولهما ، وإنما أقرّ أن ماهية الفتنة أشدّ من ماهية القتل ، فكل مكان تتحقق فيه هذه النسبة كان داخلا في عموم هذه الأخبار سوآء كان المصدر فاعله أو مفعوله : المؤمنون أم الكافرون ، وتعيين نوع ما من أفراد العموم يحتاج إلى دليل.
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) هو أن يبدأهم بالقتال في هذا الموطن حتى يقع ذلك منهم فيه ، قال مجاهد : وهذه الآية محكمة لا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلّا بعد أن يقاتل. وبه قال طاووس ، وأبو حنيفة ؛ وقال الربيع : منسوخة بقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (٣) وقال قتادة بقوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (٤) والنسخ قول الجمهور ، وقد تقدم طرف من الكلام في هذا النسخ ، في هذه الآية. وقرأ حمزة ، والكسائي والأعمش : ولا تقتلوهم ، وكذلك حتى يقتلوكم فإن قتلوكم ، من القتل ، فيحتمل المجاز في الفعل ، أي : ولا تأخذوا في قتلهم حتى يأخذوا في قتلكم ، ويحتمل المجاز في المفعول ، أي : ولا تقتلوا بعضهم حتى يقتلوا بعضكم ، فإن قتلوا بعضكم ، يقال : قتلنا بنو فلان ، يريد قتل بعضنا وقال :
__________________
(١) سورة الذاريات : ٥١ / ١٤.
(٢) سورة البروج : ٨٥ / ١٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٩٣ ؛ وسورة الأنفال : ٨ / ٣٩.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ٥.