وسمي بذل النفس في سبيل الله إنفاقا مجازا واتساعا كقول الشاعر :
وأنفقت عمري في البطالة والصبي |
|
فلم يبق لي عمر ولم يبق لي أجر |
والأظهر القول الأول ، وهو : الأمر بصرف المال في وجوه البرّ من حج ، أو عمرة ، أو جهاد بالنفس ، أو بتجهيز غيره ، أو صلة رحم ، أو صدقة ، أو على عيال ، أو في زكاة ، أو كفارة ، أو عمارة سبيل ، أو غير ذلك. ولما اعتقبت هذه الآية لما قبلها مما يدل على القتال والأمر به ، تبادر إلى الذهن النفقة في الجهاد للمناسبة.
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) قال عكرمة : نزلت في الأنصار ، أمسكوا عن النفقة في سبيل الله ، وقال النعمان بن بشير : كان الرجل يذنب الذنب فيقول : لا يغفر الله لي ، فنزلت.
وفي حديث طويل تضمن أن رجلا من المسلمين حمل على صف الروم ، ودخل فيهم وخرج ، فقال الناس : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب الانصاري : تأوّلتم الآية على غير تأويلها ، وما أنزلت هذه الآية إلّا فينا معشر الأنصار ، لما أعز الله دينه قلنا : لو أقمنا نصلح ما ضاع من أموالنا ، فنزلت.
وفي تفسير التهلكة أقوال.
أحدها : ترك الجهاد والإخلاد إلى الراحة وإصلاح الأموال ، قاله أبو أيوب.
الثاني : ترك النفقة في سبيل الله خوف العيلة ، قاله حذيفة ، وإن عباس ، والحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وابن جبير.
الثالث : التقحم في العدو بلا نكاية ، قاله أبو القاسم البلخي.
الرابع : التصدّق بالخبيث ، قاله عكرمة.
الخامس : الإسراف بإنفاق كل المال ، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) (١) (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (٢) قاله أبو علي.
السادس : الانهماك في المعاصي ليأسه من قبول توبته ، قاله البراء ، وعبيدة السلماني.
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٧.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٩.