بقي بمكة صامها ، ومن نهض إلى بلده صامها في الطريق ؛ وقال مالك في (الكتاب) : إذا رجع من منى فلا بأس أن يصوم.
(تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) تلك إشارة إلى مجموع الأيام المأمور بصومها قبل ، ومعلوم أن ثلاثة وسبعة عشرة ، فقال الأستاذ أبو الحسن علي بن أحمد الباذش ما معناه : أتى بعشرة توطئة للخبر بعدها ، لا أنها هي الخبر المستقل به فائدة الإسناد ، فجيء بها للتوكيد ، كما تقول : زيد رجل صالح.
وقال ابن عرفة : مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يجملوهما.
وحسّن هذا القول الزمخشري بأن قال : فائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة ، كما علم تفصيلا ليحاط به من جهتين ، فيتأكد العلم ، وفي أمثال العرب : علمان خير من علم ؛ قال ابن عرفة : وإنما تفعل ذلك العرب لقلة معرفتهم بالحساب ، وقد جاء : لا يحسب ولا يكتب ، وورد ذلك في كثير من أشعارهم ؛ قال النابغة :
توهمت آيات لها فعرفتها |
|
لست أعوام وذا العام سابع |
وقال الأعشى :
ثلاث بالغداة فهي حسبي |
|
وست حين يدركني العشاء |
فذلك تسعة في اليوم ربي |
|
وشرب المرء فوق الري داء |
وقال الفرزدق :
ثلاث واثنتان وهن خمس |
|
وسادسة تميل إلى شمام |
وقال آخر :
فسرت إليهم عشرين شهرا |
|
وأربعة فذلك حجتان |
وقال المفضل : لما فصل بينهما بإفطار قيدها بالعشرة ليعلم أنها كالمتصلة في الأجر ، وقال الزجاج : جمع العددين لجواز أن يظن أن عليه ثلاثة أو سبعة ، لأن الواو قد تقوم مقام : أو ، ومنه (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١) فأزال احتمال التخيير ، وهو الذي لم يذكر ابن عطية إلا إياه ، وهو قول جار على مذهب أهل الكوفة لا على مذهب البصريين ، لأن الواو لا تكون بمعنى : أو.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣ ، وسورة فاطر : ٣٥ / ١.