الواقع صلة للألف واللام ، فيتعلق على مذهبه من قبله بقوله : من الضالين ، وقد تقدّم نظير هذا.
والهاء في قبله ، عائدة على الهدى المفهوم من قوله : هداكم ، أي : وإن كنتم من قبل الهدى لمن الضالين ، ذكرهم تعالى بنعمة الهداية التي هي أتم النعم ليوالوا ذكره والثناء عليه تعالى ، والشكر الذي هو سبب لمزيد الإنعام ، وقيل : تعود الهاء على القرآن ، وقيل : على النبي صلىاللهعليهوسلم.
والظاهر في الضلال أنه ضلال الكفر ، كما أن الظاهر في الهداية هداية الإيمان ، وقيل : من الضالين عن مناسك الحج ، أو عن تفصيل شعائره.
(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) صح عن عائشة قالت : كان الحمس هم الذين أنزل الله تعالى فيهم : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) رجعوا إلى عرفات ، وفي (الجامع) للترمذي عن عائشة قالت : كانت قريش ومن على دينها ، وهم الحمس ، يقفون بالمزدلفة ، يقولون : نحن قطان الله ، وكان من سواهم يقفون بعرفة ، فأنزل الله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.
وروى محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : خرجت في طلب بعير بعرفة ، فرأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث ، فقلت : والله إن هذا من الحمس ، فما شأنه واقفا هاهنا مع الناس؟ وكان وقوف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعرفة إلهاما من الله تعالى وتوفيقا إلى ما هو شرع الله ومراده ، وكانت قريش قد ابتدعت أشياء : لا يأقطون الأقط ، ولا يسلون السمن وهم محرمون ، ولا يدخلون بيتا من شعر ، ولا يستظلون إلّا في بيوت الأدم ، ولا يأكلون حتى يخرجون إلى الحل وهم حرم ، ولا يطوف القادم إلى البيت إلّا في ثياب الحمس ، ومن لم يجد ذلك طاف عريانا ، فإن طاف بثيابه ألقاها فلا يأخذها أبدا ، لا هو ولا غيره ، وتسمي العرب تلك الثياب : اللقى ، وسمحوا للمرأة أن تطوف وعليها درعها ، وكانت قبل تطوف عريانة ، وعلى فرجها نسعة ، حتى قالت امرأة منهم :
اليوم يبدو بعضه أو كله |
|
وما بدا منه فلا أحله |
فلما أنزل الله (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) وأنزل : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (١) أباح لهم ما حرموا على أنفسهم من الوقوف بعرفة ، ومن
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٣١.