(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) نزلت في الأخنس بن شريق واسمه : أبي ، وكان حلو اللسان والمنظر ، يجالس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويظهر حبه ، والإسلام ، ويحلف على ذلك ، فكان يدنيه ولا يعلم ما أضمر ، وكان من ثقيف حليفا لبني زهرة ، فجرى بينه وبين ثقيف شيء ، فبيتهم ليلا وأحرق زرعهم ، وأهلك مواشيهم ، قاله عطاء ، والكلبي ، ومقاتل. وقال السدي : فمر بزرع للمسلمين وحمر ، فأحرق الزرع ، وغفر الحمر ، قيل : وفيه نزلت (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (١) و (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (٢).
وقال ابن عباس : في كفار قريش ، أرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنا قد أسلمنا ، فابعث إلينا من يعلمنا دينك ، وكان ذلك مكرا منهم ، فبعث إليهم خبيبا ، ومرشدا ، وعاصم بن ثابت ، وابن الدنية ، وغيرهم ، وتسمى : سرية الرجيع ، والرجيع موضع بين مكة والمدينة ، فقتلوا ، وحديثهم طويل مشهور في الصحاح.
وقال قتادة ، وابن زيد : نزلت في كل منافق أظهر بلسانه ما ليس في قلبه.
وروي عن ابن عباس : أنها في المنافقين ، قالوا عن سرية الرجيع : ويح هؤلاء ما فقدوا في بيوتهم ، ولا أدوا رسالة صاحبهم.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه : لما قسم السائلين الله قبل إلى : مقتصر على أمر الدنيا ، وسائل حسنة الدنيا والآخرة ، والوقاية من النار ، أتى بذكر النوعين هنا ، فذكر من النوع الأول من هو حلو المنطق ، مظهر الود ، وليس ظاهره كباطنه ، وعطف عليه من يقصد رضى الله تعالى ، ويبيع نفسه في طلبه ، وقدم هنا الأول لأنه هناك المقدم في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) وأحال هنا على إعجاب قوله دون غيره ، من الأوصاف ، لأن القول هو الظاهر منه أولا في قوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا) ، فكان من حيث توجهه إلى الله تعالى في الدعاء ، ينبغي أن يكون لا يقتصر على الدنيا ، وإن سأل منه ما ينجيه من عذابه ، وكذلك هذا الثاني ينبغي أن لا يقتصر على حلاوة منطقه ، بل كان يطابق في سريرته لعلانيته.
و : من ، من قوله : من يعجبك ، موصولة ، وقيل : نكرة موصوفة ، والكاف في : يعجبك ، خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم إن كانت نزلت في معين ، كالأخنس أو غيره ، أو خطاب لمن كان مؤمنا إن كانت نزلت في غير معين ممن ينافق قديما أو حديثا.
__________________
(١) سورة القلم : ٦٨ / ١٠.
(٢) سورة الهمزة : ١٠٤ / ١.