بكلمة يرفع عنه اللبس ، وتقربه للفهم ، كقوله تعالى : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (١) وذلك أن العزة محمودة ومذمومة ، فالمحمودة طاعة الله ، كما قال : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢) (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٣) (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (٤) فلما قال : بالإثم ، اتضح المعنى وتم ، وتبين أنها العزة المذمومة المؤثم صاحبها. قال ابن مسعود : لا ينبغي للرجل أن يغضب إذا قيل له اتق الله ، أو تقول : أو لمثلي يقال هذا؟ وقيل لعمر : اتق الله ، فوضع خدّه على الأرض تواضعا ، وقيل : سجد ، وقال : هذا مقدرتي. وتردّد يهودي إلى باب هارون الرشيد ، سنة فلم يقض له حاجة ، فتحيل حتى وقف بين يديه ، فقال : اتق الله يا أمير المؤمنين : فنزل هارون عن دابته ، وخرّ ساجدا ، وقضى حاجته ، فقيل له في ذلك ، فقال : تذكرت قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ).
(فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أي : كافيه جزاء وإذلالا جهنم ، وهي جملة مركبة من مبتدأ وخبر ، وذهب بعضهم إلى أن جهنم فاعل : بحسبه ، لأنه جعله اسم فعل ، إما بمعنى الفعل الماضي ، أي : كفاه جهنم ، أو : بمعنى فعل الأمر ، ودخول حرف الجر عليه واستعماله صفة ، وجريان حركات الإعراب عليه يبطل كونه اسم فعل ، وقوبل على اعتزازه بعذاب جهنم ، وهو الغاية في الذل ، ولما كان قوله : اتق الله ، حل به ما أمر أن يتقيه ، وهو : عذاب الله ، وفي قوله : فحسبه جهنم ، استعظام لما حل به من العذاب ، كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك! إذا استعظمت وعظمت عليه ما حل به.
(وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) تقدّم الكلام في : بئس ، والخلاف في تركيب مثل هذه الجملة مذكور في علم النحو ، لكن التفريع على مذهب البصريين في أن : بئس ونعم ، فعلان جامدان ، وأن المرفوع بعدهما فاعل بهما ، وأن المخصوص بالذّم ، إن تقدم ، فهو مبتدأ ، وإن تأخر فكذلك ، هذا مذهب سيبويه. وحذف هنا المخصوص بالذم للعلم به إذ هو متقدّم ، والتقدير : ولبئس المهاد جهنم. أو : هي ، وبهذا الحذف يبطل مذهب من زعم أن المخصوص بالمدح أو بالذّم إذا تأخر كان خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، لأنه يلزم من حذفه حذف الجملة بأسرها من غير أن ينوب عنها شيء ، لأنها تبقى جملة مفلتة من الجملة السابقة قبلها ، إذ ليس لها موضع من الإعراب ، ولا هي اعتراضية
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٣٨.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٤.
(٣) سورة المنافقون : ٦٣ / ٨.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٣٩.