قاله ابن جريج ، أو التوراة والإنجيل قال : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) (١) وقال (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) (٢) وهذا يتخرج على قول من قال : إن المخاطب أهل الكتاب ، أو الإسلام ، أو ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المعجزات ، أقوال ستة.
وفي (المنتخب) البينات : تتناول جميع الدلائل العقلية والسمعية من حيث إن عذر المكلف لا يزول إلّا عند حصول البينات ، لا حصول التبيين من التكليف. انتهى كلامه.
والدلائل العقلية لا يخبر عنها بالمجيء لأنها مركوزة في العقول ، فلا ينسب إليها المجيء إلّا مجازا ، وفيه بعد.
(فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : دوموا على العلم ، إن كان الخطاب للمؤمنين ، وإن كان للكافرين أو المنافقين فهو أمر لهم بتحصيل العلم بالنظر الصحيح المؤدي إليه ، وفي وصفه هنا بالعزة التي هي تتضمن الغلبة والقدرة اللتين يحصل بهما الانتقام ، وعيد شديد لمن خالفه وزل عن منهج الحق ، وفي وصفه بالحكمة دلالة على إتقان أفعاله : وأن ما يرتبه من الزواجر لمن خالف هو من مقتضى الحكمة ، وروي أن قارئا قرأ ، غفور رحيم ، فسمعه أعرابي فأنكره ، ولم يكن يقرأ القرآن ، وقال : إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم ، لا يذكر الغفران عند الزلل ، لأنه إغراء عليه ، وقد روي عن كعب نحو هذا ، وأن الذي كان يتعلم منه أقرأه : فاعلموا أن الله غفور رحيم ، فأنكره حتى سمع : (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال : هكذا ينبغي!.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ)؟ هل : هنا للنفي ، المعنى : ما ينظرون ، ولذلك دخلت إلّا ، وكونها بمعنى النفي إذ جاء بعدها : إلّا ، كثير الاستعمال في القرآن ، وفي كلام العرب ، قال تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٣) (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤) وقال الشاعر :
وهل أنا إلّا من غزية إن غوت |
|
غويت ، وإن ترشد غزية أرشد |
و : ينظرون ، هنا معناه : ينتظرون ، تقول العرب : نظرت فلانا انتظره ، وهو لا يتعدى لواحد بنفسه إلّا بحرف جر. قال امرؤ القيس :
فانكما إن تنظراني ساعة |
|
من الدهر تنفعي لدى أم جندب |
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٢.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨٧.
(٣) سورة سبأ : ٣٤ / ١٧.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٤٧.