والآيات : العلامات ، والدلائل لعلكم تتفكرون ، ترجئة للتفكر تحصل عند تبيين الآيات. لأنه متى كانت الآية مبينة وواضحة لا لبس فيها ، ترتب عليها التفكر والتدبر فيما جاءت له تلك الآية الواضحة من أمر الدنيا وأمر الآخرة.
و (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) الأحسن أن يكون ظرفا للتفكر ومتعلقا به ، ويكون توضيح الآيات لرجاء التفكر في أمر الدنيا والآخرة مطلقا ، لا بالنسبة إلى شيء مخصوص من أحوالها ، بل ليحصل التفكر فيما يعنّ من أمرهما ، وهذا ذكر معناه أولا الزمخشري فقال : تتفكرون فيما يتعلق بالدارين ، فتأخذون بما هو أصلح لكم ، وقيل : تتفكرون في أوامر الله ونواهيه ، وتستدركون طاعته في الدنيا ، وثوابه في الآخرة ، وقال المفضل بن سلمة : تتفكرون في أمر النفقة في الدنيا والآخرة ، فتمسكون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا ، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى ، وقيل : تتفكرون في زوال الدنيا وبقاء الآخرة ، فتعملون للباقي منهما. قال معناه ابن عباس والزمخشري ، وقيل : تتفكرون في منافع الخمر في الدنيا ، ومضارها في الآخرة ، فلا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب المستمر ، وقال قريبا منه الزمخشري ، تتفكرون في الدنيا فتمسكون ، وفي الآخرة فتتصدّقون.
وجوّزوا أن يكون ، في الدنيا ، متعلقا بقوله : يبين لكم. الآيات ، لا : بتتفكرون ، ويتعلق بلفظ : يبين ، أي : يبين الله في الدنيا والآخرة. وروي هذا عن الحسن.
ولا بد من تأويل على هذا إن كان التبيين للآيات يقع في الدنيا ، فيكون التقدير في أمر الدنيا والآخرة ، وإن كان يقع فيهما ، فلا يحتاج إلى تأويل ، لأن الآيات ، وهي : العلامات يظهرها الله تعالى في الدنيا والآخرة.
وجعل بعضهم هذا القول من باب التقديم والتأخير ، إذ تقديره عنده : كذلك. يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون. وقال : ويمكن الحمل على ظاهر الكلام لتعلق : في الدنيا والآخرة ، بتتفكرون ، ففرض التقديم والتأخير ، على ما قاله الحسن ، يكون عدولا عن الظاهر لا الدليل ، وإنه لا يجوز ، وليس هذا من باب التقديم والتأخير ، لأن : لعل ، هنا جارية مجرى التعليل ، فهي كالمتعلقة : بيبين ، وإذا كانت كذلك فهي والظرف من مطلوب : يبين ، وتقدّم أحد المطلوبين ، وتأخر الآخر ، لا يكون ذلك من باب التقديم والتأخير.