وفي هذه الجملة الشرطية إعلام وتذكير بإحسان الله وإنعامه على أوصياء اليتامى ، إذ أزال إعناتهم ومشقتهم في مخالطتهم ، والنظر في أحوالهم وأموالهم.
(إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال الزمخشري : عزيز غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ، لكنه حكيم لا يكلف إلّا ما تتسع فيه طاقتهم. وقال ابن عطية : عزيز لا يرد أمره ، وحكيم أي محكم ما ينفذه. انتهى.
في وصفه تعالى بالعزة ، وهو الغلبة والاستيلاء ، إشارة إلى أنه مختص بذلك لا يشارك فيه ، فكأنه لما جعل لهم ولاية على اليتامى نبههم على أنهم لا يقهرونهم ، ولا يغالبونهم ، ولا يستولون عليهم استيلاء القاهر ، فإن هذا الوصف لا يكون إلّا الله.
وفي وصفه تعالى بالحكمة إشارة إلى أنه لا يتعدّى ما أذن هو تعالى فيهم وفي أموالهم ، فليس لكم نظر إلّا بما أذنت فيه لكم الشريعة ، واقتضته الحكمة الإلهية. إذ هو الحكيم المتقن لما صنع وشرع ، فالإصلاح لهم ليس راجعا إلى نظركم ، إنما هو راجع لاتباع ما شرع في حقهم.
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) قال ابن عباس : نزلت في عبد الله بن رواحة ، أعتق أمة وتزوّجها ، وكانت مسلمة ، فطعن عليه ناس من المسلمين ، فقالوا : نكح أمة ، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين رغبة في أحسابهم ، فنزلت. وقال مقاتل : نزلت في أبي مرثد الغنوي ، واسمه كناز بن الحصين ، وفي قول : إنه مرثد بن أبي مرثد ، وهو حليف لبني هاشم استأذن أن يتزوّج عناق ، وهي امرأة من قريش ذات حظ من جمال ، مشركة ، وقال : يا رسول الله إنها تعجبني ، وروي هذا السبب أيضا عن ابن عباس بأطول من هذا.
وقيل : نزلت في حسناء وليدة سوداء لحذيفة بن اليمان ، أعتقها وتزوّجها ، ويحتمل أن يكون السبب جميع هذه الحكايات.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر تعالى حكم اليتامى في المخالطة ، وكانت تقتضي المناكحة وغيرها مما يسمى مخالطة ، حتى إن بعضهم فسرها بالمصاهرة فقط ، ورجح ذلك كما تقدم ذكره ، وكان من اليتامى من يكون من أولاد الكفار ، نهى الله تعالى عن مناكحة المشركات والمشركين ، وأشار إلى العلة المسوّغة للنكاح ، وهي : الأخوة