«تناكحوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ، لا قضاء الشهوة فقط ، فأتوا النساء من المسلك الذي يتعلق به الغرض الأصلي ، وهو القبل.
ونساؤكم : مبتدأ ، وحرث لكم : خبر ، إما على حذف أداة التشبيه ، أي : كحرث لكم ويكون نساؤكم على حذف مضاف ، أي : وطء نسائكم كالحرث لكم ، شبه الجماع بالحرث ، إذ النطفة كالبذر ، والرحم كالأرض ، والولد كالنبات ، وقيل : هو على حذف مضاف أي : موضع حرث لكم ، وهذه الكناية في النكاح من بديع كنايات القرآن ، قالوا : وهو مثل قوله تعالى : (يَأْكُلُ الطَّعامَ) (١) ومثل قوله : (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) (٢) على قول من فسره بالنساء ، ويحتمل أن يكون : حرث لكم ، بمعنى : محروثه لكم ، فيكون من باب إطلاق المصدر ، ويراد به اسم المفعول. وفي لفظة : حرث لكم ، دليل على أنه القبل لا الدبر؟ قال الماتريدي : أي مزدرع لكم ، وفيها دليل على النهي عن امتناع وطئ النساء ، لأن المزدرع إذا ترك ضاع. ودليل على إباحة الوطء لطلب النسل والولد ، لا لقضاء الشهوة. انتهى كلامه.
وفرق الراغب بين الحرث والزرع ، فقال : الحرث إلقاء البذر وتهيئة الأرض ، والزرع مراعاته وإنباته ، ولذلك قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (٣) أثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزرع.
(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) الإتيان كناية عن الوطء ، وجاء : حرث لكم ، نكرة لأنه الأصل في الخبر ، ولأنه كان المجهول ، فأفادت نسبته إلى المبتدأ جواز الاستمتاع به شرعا ، وجاء : فأتوا حرثكم ، معرفة لأن في الإضافة حوالة على شيء سبق ، واختصاصا بما أضيف إليه ، ونظير ذلك أن تقول : زيد مملوك لك فأحسن إلى مملوكك.
وإذا تقدّمت نكرة ، وأعدت اللفظ ، فلا بد أن يكون معرفة : إما بالألف واللام ، كقوله : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) (٤) وإما بالإضافة كهذا.
وأنّى : بمعنى : كيف بالنسبة إلى العزل ، وترك العزل ، قاله ابن المسيب ، فتكون الكيفية مقصورة على هذين الحالين ، أو بمعنى كيف على الإطلاق في أحوال المرأة ، قاله عكرمة ، والربيع ، فتكون دلت على جواز الوطء للمرأة. في أي حال شاءها الواطئ مقبلة ومدبرة ،
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٧.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٧.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٦٣ و ٦٤.
(٤) سورة المزمل : ٧٣ / ١٦.