(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) الظاهر أن الضمير المجرور في : ملاقوه ، عائد على الله تعالى ، وتكون على حذف مضاف ، أي : ملاقو جزائه على أفعالكم ، ويجوز أن يعود على المفعول المحذوف الذي لقوله : وقدّموا ، أي : واعلموا أنكم ملاقو ما قدّمتم من الخير والطاعة ، وهو على حذف مضاف أيضا ، أي : ملاقو جزائه ، ويجوز أن يعود على الجزاء الدال عليه معمول قدموا المحذوف ، وفي ذلك رد على من ينكر البعث والحساب والمعاد ، سواء عاد على الله تعالى أو على معمول قدّموا ، أو على الجزاء.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : بحسن العاقبة في الآخرة ، وفيه تنبيه على وصف الذي به يتقى الله ويقدّم الخير ، ويستحق التبشير ، وهو الإيمان. وفي أمره لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتبشير تأنيس عظيم ووعد كريم بالثواب الجزيل ، ولم يأت بضمير الغيبة ، بل أتى بالظاهر الدال على الوصف ، ولكونه مع ذلك فصل آية.
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة إخبار الله تعالى عن المؤمنين أنهم يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الخمر والميسر ، فوقع ما أخبر به تعالى ، وأمر نبيه أن يخبر من سأله عنهما بأنهما قد اشتملا على إثم كبير ، فكان هذا الإخبار مدعاة لتركهما ، ودل ذلك على تحريمهما ، والمعنى أنه يحصل بشرب الخمر واللعب بالميسر إثم ، وما اكتفى بمطلق الإثم حتى وصفه بالكبر في قراءة ، وبالكثرة في قراءة ، وقد قال تعالى في المحرمات : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) (١) (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢) فحيث وصف الإثم بالكبير ، وكان من أعظم الآثام وأوغلها في التحريم ، وأخبر أيضا أن فيهما منافع للناس ، من : أخذ الأموال بالتجارة في الخمر ، وبالقمر في الميسر ، وغير ذلك ، لأنه ما من شيء حرم إلّا فيه منفعة بوجه ما ، خصوصا ما كان الطبع مائلا إليه ، أو كان الشخص ناشئا عليه بالطبع. ثم أخبر تعالى أن ضرر الإثم الذي هو جالب إلى النار ، أعظم من النفع المنقضي بانقضاء وقته ، ليرشد العاقل إلى تجنب ما عذابه دائم ونفعه زائل.
ثم أخبر تعالى أنهم يسألونه عن الشيء الذي ينفقونه؟ فأجيبوا بأن ينفقوا ما سهل عليهم إنفاقه ، ويشير (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) ثم ذكر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات بيانا مثل ما بين في أمر الخمر ، والميسر ، وما ينفقون. ثم ذكر أنه بهذا
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٣٧ ؛ والنجم : ٥٣ / ٣٢.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٣١.
(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.