أردّكم في دينكم واخشوني ، وهذا الذي قاله لا يساعده قوله : فلا تخشوهم. قال بعضهم : ذكر الخشية هنا ولم يذكر الخوف ، لأن الخشية حذر من أمر قد وقع ، والخوف حذر من أمر لم يقع. والذي تدل عليه اللغة والاستعمال أن الخشية والخوف مترادفان ، وقال تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) (١) ، كما قال هنا : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي).
(وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) : الظاهر أنه معطوف على قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ) ، وكان المعنى : عرفناكم وجه الصواب في قبلتكم ، والحجة لكم لانتفاء حجج الناس عليكم ، ولإتمام النعمة ، فيكون التعريف معللا بهاتين العلتين ، والفصل بالاستثناء وما بعده كلا فصل ، إذ هو من متعلق العلة الأولى. وقيل : هو معطوف على علة محذوفة ، وكلاهما معلولهما الخشية السابقة ، كأنه قيل : واخشوني لأوفقكم ولأتمّ نعمتي عليكم. وقيل : تتعلق اللام بفعل مؤخر ، التقدير : ولأتمّ نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ، ومن زعم أن الواو زائدة ، فقوله ضعيف. وإتمام النعمة بما هداهم إليه من القبلة ، أو بما أعدّه لهم من ثواب الطاعة ، أو بما حصل للعرب من الشرف بتحويل القبلة إلى الكعبة ، أو بإبطال حجج المحتجين عليهم ، أو بإدخالهم الجنة ، أو بالموت على الإسلام ، أو النعمة سنة الإسلام ، والقرآن ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، والستر ، والعافية ، والغنى عن الناس ؛ أو بشرائع الملة الحنيفية ، أقوال ثمانية صدرت مصدر المثال ، لا مصدر التعيين ، وكل فيها نعمة. (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : تقدم القول في لعل بالنسبة إلى مجيئها من الله تعالى في قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢) ، في أول البقرة ، وهو أول مواقعها فيه. والمعنى : لتكونوا على رجاء إدامة هدايتي إياكم على استقبال الكعبة ، أو لكي تهتدوا إلى قبلة أبيكم إبراهيم ، والظاهر رجاء الهداية مطلقا.
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ) : الكاف هنا للتشبيه ، وهي في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف. واختلف في تقديره ، فقيل التقدير : ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل إتمام إرسال الرسول فيكم. ومتعلق الإتمامين مختلف ، فالإتمام الأول بالثواب في الآخرة ، والإتمام الثاني بإرسال الرسول إلينا في الدنيا. أو الإتمام الأول بإجابة الدعوة الأولى لإبراهيم في قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٣) ، والإتمام الثاني بإجابة الدعوة الثانية في قوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) (٤) ، وقيل : التقدير : ولعلكم تهتدون اهتداء مثل إرسالنا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٢٨.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٢٩.