وقسمت الأيمان إلى : لغو ومنعقدة ، وغموس ، والمنعقدة : هي على المستقبل التي يصح فيها الحنث والبر ، وبينا اللغو والغموس ، وقسمت أيضا إلى : حلف على ما من محرم وهي : الكاذبة ، ومباح : وهي الصادقة ، وعلى مستقبل عقدها طاعة ، والمقام عليها طاعة ، وحلها معصية أو مكروه ، ومقابلها أو ما هو مباح عقدها والمقام عليها وحلها ، ولكن دخلت هنا بين نقيضين باعتبار وجود اليمين لأنها لا تخلو من أن لا يقصدها القلب ، ولكن جرت على اللسان وهي : اللغو ، أو تقصدها وهي : المنعقدة ، وهما ضدان باعتبار أن لا توجد اليمين ، إذ الإنسان قد يخلو من اليمين ، وهذان النوعان من النقيضين والضد أحسن ما يقع فيه : لكن ، وأما الخلافان ففي جواز وقوعها بينهما خلاف ، وقد تقدّم طرف من هذا ، وإبدال الهمزة واوا في مثل : يؤاخذ ، مقيس ، ونحوه : يؤذن ، ويؤلف ، وفي قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) محذوف تقديره : ولكن يؤاخذكم في أيمانكم بما كسبت قلوبكم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه ، و : ما ، في قوله : بما ، موصولة ، والعائد محذوف ، ويحتمل أن تكون مصدرية ، ويحسنه مقابلته بالمصدر ، وهو قوله : باللغو ، وجوّز أن تكون نكرة موصوفة.
(وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) جاءت هاتان الصفتان تدلان على توسعة الله على عباده حيث لم يؤاخذهم باللغو في الأيمان ، وفي تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران ، والحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة ، وإطماع في سعة رحمته ، لأن من وصف نفسه بكثرة الغفران والصفح مطموع في ما وصف به نفسه ، فهذا الوعيد الذي ذكره تعالى مقيد بالمشيئة ، كسائر وعيده تعالى.
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) قال ابن المسيب : كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية ، كان الرجل لا يترك المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها ، فيتركها لا أيما ، ولا ذات زوج ، فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن عباس : كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر ، فوقت الله ذلك.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، لأنه تقدّم شيء من أحكام النساء ، وشيء من أحكام الإيمان ، وهذه الآية جمعت بين الشيئين.
وقرأ عبد الله : للذين آلوا ، بلفظ الماضي وقرأ أبي ، وابن عباس : للذين يقسمون.
والإيلاء ، كما تقدّم ، هو الحلف ، وقد ذكرنا الإيلاء من النساء كيف كان في