وأما قوله : فوجب أن يقال : فإن خيفا فلا يلزم ، لأن هذا من باب الالتفات ، وهو في القرآن كثير ، وهو من محاسن العربية ، ويلزم من فتح الياء أيضا على قول الصفار أن يقرأ : فإن خافا ، وإنما هو في القراءتين على الالتفات ، وأما تخطئة الفراء فليست صحيحة ، لأن قراءة عبد الله : إلّا أن يخافوا ، دلالة على ذلك ، لأن التقدير : إلّا أن يخافوهما أن لا يقيما ، والخوف واقع في قراءة حمزة على أن ، لأنها في موضع رفع على البدل من ضميرهما ، وهو بدل الاشتمال كما قررناه قبل ، فليس على ما تخيله أبو علي ، وذلك كما تقول : خيف زيد شره ، وأما قوله : يبعد من جهة المعنى ، فقد تقدّم الجواب عنه ، وهو أن لهما المنع من ذلك ، فمتى ظنوا أو أيقنوا ترك إقامة حدود الله ، فليس لهم المنع من ذلك ، وقد اختار أبو عبيدة قراءة الضم ، لقوله تعالى : فإن خفتم ، فجعل الخوف لغير الزوجين ، ولو أراد الزوجين لقال : فإن خافا.
وقد قيل : إن قوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ) إلى آخره ، جملة معترضة بين قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وبين قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ).
(فَإِنْ خِفْتُمْ) : الضمير للأولياء أو السلطان ، فإن لم يكونوا فلصلحاء المسلمين ، وقيل : عائد على المجموع من قام به أجزأ.
(أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) وترك إقامة الحدود هو ظهور النشوز وسوء الخلق منها ، قاله ابن عباس ، ومالك ، وجمهور الفقهاء ؛ أو عدم طواعية أمره وإبرار قسمه ، قاله الحسن ، والشعبي : وإظهار حال الكراهة له بلسانها ، قاله عطاء. وعلى هذه الأقوال الثلاثة قيل : تكون التثنية أريد بها الواحد ، أو كراهة كل منهما صاحبه ، فلا يقيم ما أوجب الله عليه من حق صاحبه ، قاله طاووس ، وابن المسيب. وعلى هذا القول التثنية على بابها.
وروي أن امرأة نشزت على عهد عمر ، فبيتها في إصطبل في بيت الزبل ثلاث ليال ، ثم دعاها ، فقال : كيف رأيت مكانك ؛ فقالت ما رأيت ليالي أقرّ لعيني منها ، وما وجدت الراحة مذ كنت عنده إلّا هذه الليالي. فقال عمر : هذا وأبيكم النشوز ، وقال لزوجها اخلعها ولو من قرطها ، اختلعها بما دون عقاص رأسها ، فلا خير لك فيها.
(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) هذا جواب الشرط ، قالوا : وهو يقتضي مفهومه